والدا رضيعة توفيت داخل الحضانة يطالبان بتشديد إجراءات السلامة بعد حادثة مأساوية
عرب لندن
طالب والدا الطفلة جينيفييف، التي لقيت حتفها في إحدى دور الحضانة، في حديث خاص لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، بضرورة إدخال تدابير وقائية أكثر صرامة في دور رعاية الأطفال.
وتوفيت الرضيعة التي لم يتجاوز عمرها تسعة أشهر نتيجة الاختناق بعدما تم لفّها بإحكام وتقييدها فوق وسادة جلوس، وتركها دون مراقبة لمدة 90 دقيقة من قبل عاملة في الحضانة.
وفي مقابلة حصرية، قال كل من كاتي ويلر وجون ميهان، والدا الطفلة، إن الحياة دون ابنتهما جينيفييف "لا تطاق"، وأعربا عن صدمتهما من أن مثل هذا الحادث يمكن أن يقع داخل مؤسسة لرعاية الأطفال.
وقالت السيدة ويلر: "لم يخطر ببالي يومًا أن شيئًا كهذا قد يحدث".
ووصف الزوجان الإحصاءات التي حصلت عليها "بي بي سي" بـ"المرعبة" ، والتي تشير إلى تسجيل ما يقرب من 20 ألف حادث خطير في دور الحضانة بإنجلترا خلال السنوات الخمس الماضية.
وبلغ معدل الحوادث 75 حادث أسبوعيًا تم الإبلاغ عنها إلى هيئة "Ofsted" تشمل إصابات خطيرة أو أضرار جسيمة وبعضها وصل إلى حالات وفاة.
وتشير الأرقام إلى أن عدد الحوادث الخطيرة خلال عام 2023-2024 ارتفع بنسبة 40% مقارنة بالأرقام المسجلة قبل خمس سنوات، وقد أرجعت "Ofsted" هذا الارتفاع جزئيًا إلى جهودها المتزايدة في حث دور الحضانة على الإبلاغ عن مثل هذه الحوادث.
وقالت "رابطة السنوات المبكرة - Early Years Alliance"، إن معظم مقدمي الرعاية يضعون سلامة الأطفال في مقدمة أولوياتهم، وإن خروقات السلامة لا تزال نادرة.
ويطالب والدا جينيفييف حاليًا بتكثيف عمليات التفتيش من قبل "Ofsted"، وإلزام المفتشين بمراجعة تسجيلات كاميرات المراقبة خلال الزيارات التفتيشية.
وكانت جينيفييف قد قضت أسبوعًا فقط في حضانة "Tiny Toes" بمدينة ستوكبورت في مانشستر الكبرى قبل أن تفارق الحياة. وكشف تسجيل كاميرات المراقبة أنها كانت تسعل وتكافح من أجل التنفس، بينما لم تتحقق العاملة، كيت روفلي، من حالتها حتى أصبحت "فاقدة للوعي وزرقاء اللون"، وفق ما جاء في المحكمة التي أصدرت بحقها حكمًا بالسجن 14 عامًا بتهمة القتل غير العمد في مايو الماضي.
وقالت السيدة ويلر: "لم أستوعب كيف يمكن لطفلة بهذا العمر أن تنام ثم لا تستيقظ أبدًا".
وأضافت: "فقدت نفسي تلك الليلة في المستشفى وأنا أحملها بين ذراعي".
وكشفت "Ofsted" أن دور الحضانة سجلت أكثر من 4,200 بلاغ بحوادث خطيرة في 2023-2024، مقارنة بـ3,021 بلاغًا في 2019-2020.
وتشمل هذه الحوادث مجموعة من الإصابات أو الأمراض أو الحوادث الكبرى وحتى الكوارث الطبيعية مثل الحرائق أو الفيضانات.
وأوضحت "Ofsted" أن بعض العاملين في دور الحضانة يفضلون الإبلاغ بشكل متكرر بدافع الحذر، وغالبًا ما تُظهر التحقيقات عدم وقوع أي خروقات لإجراءات السلامة.
من جهتها ترى الخبيرة في رعاية الطفولة البروفيسورة هيلين بين من جامعة شرق لندن، أن تزايد البلاغات يشير إلى وجود "وضع خطير"، وتقول: "معايير الرعاية منخفضة جدًا والحكومة ملزمة بتحسينها".
ويعتمد الأهالي بشكل كبير على نتائج تقييمات "Ofsted" في اختيار أفضل أماكن الرعاية لأطفالهم.
وبحسب النظام الحالي، تُجرى عمليات التفتيش الكاملة كل ست سنوات، إلا إذا كانت المؤسسة مصنفة على أنها "غير مؤهلة" أو "تحتاج إلى تحسين"، أو إذا تم تلقي شكاوى.
وقد تم القيام بأكثر من 1,500 عملية تفتيش نتيجة بلاغات عن حوادث خطيرة.
لكن مفتشة سابقة في "Ofsted" قالت إن عدد التفتيشات غير كافٍ لرصد الممارسات السيئة وحماية الأطفال، مضيفة أن بعض التفتيشات "شكلية وسهلة التلاعب".
وتابعت المفتشة، التي فضّلت عدم كشف هويتها: "كيف يمكن حماية الأطفال إذا كان التفتيش يحدث مرة كل عدة سنوات؟"، مضيفة أن بعض الموظفين يقومون بسوء معاملة الأطفال حتى أثناء التفتيش، متسائلة: "إذا كان هذا يحدث أمام المراقبين، فماذا يحدث حين لا يراهم أحد؟".
وأشارت تقارير إلى أن إشعار الحضانة مسبقًا بالتفتيش يفتح المجال للتحايل، إذ يُسمح الآن بإجراء ثلث الزيارات فقط دون إشعار مسبق، في حين يتم إعلام معظم الحضانات قبل يوم من الزيارة، ما يتيح لمدرائها استدعاء موظفين إضافيين أو أقارب لتحسين المظهر الخارجي للمكان.
وفي سياق التحقيق بوفاة جينيفييف، كشفت مراجعة الشرطة لتسجيلات الكاميرات عن عاملة ثانية وهي ريبيكا غريغوري، ثبتت إدانتُها بتهمة الإهمال المتعمد وسوء معاملة الأطفال، بما في ذلك تهديدهم ودفعهم، وحُكم عليها بالسجن ثلاث سنوات في سبتمبر الماضي.
ورغم أهمية تسجيلات الكاميرات في كشف الانتهاكات، لا تُلزم "Ofsted" الحضانات باستخدام كاميرات المراقبة، كما لا توجد تعليمات حكومية تفرض مراجعة التسجيلات خلال التفتيش.
وأكدت يفيت ستانلي، مديرة قسم السنوات المبكرة والرعاية الاجتماعية في "Ofsted"، أن "خداع المفتشين" ممارسة "مروّعة"، مشيرة إلى أن المفتشين يعتمدون على نزاهة القائمين على الحاضنات.
ولا تزال السلطات المحلية المسؤولة عن متابعة قضايا السلامة، تحقق في ملابسات قضية حضانة "Tiny Toes"، ورفض المالكون السابقون للحضانة التعليق بسبب استمرار التحقيق من قبل مجلس بلدية ستوكبورت.
وطلبت "بي بي سي" من المجالس المحلية في إنجلترا تقديم بيانات دقيقة حول عدد المرات التي تعرّض فيها أطفال لأذى من قبل العاملين في الحاضنات، فأجاب 72 مجلسًا من أصل أكثر من 150، موضحين أن هناك 5,795 بلاغًا أو ادعاءً بوقوع أذى للأطفال من قبل موظفين بين عامي 2019 و2024.
وفي مقارنة مع الفترة السابقة (2010-2015)، تبيّن أن عدد الحوادث قد تضاعف ثلاث مرات، من 1,303 إلى 3,342 بلاغًا، رغم أن هذه الأرقام قد تشمل حوادث عَرَضية أو لم يُثبت وقوعها.
وقالت البروفيسورة هيلين بين: "إذا لم تتغير المعايير، سنشهد المزيد من الحوادث والمزيد من الأذى للأطفال والمزيد من البؤس لدى الآباء".
وأوضحت "Ofsted" أنها تمنح "اهتمامًا ومراقبة دقيقة" لحوادث الإيذاء، وأقرت بأن التفتيش المتكرر قد يكون حلًا، لكنها لا تمتلك حاليًا الموارد اللازمة لذلك.
وأضافت ستانلي: "نعتقد أننا نجري ما يكفي من التفتيشات المفاجئة لطمأنة أنفسنا عند وجود مؤشرات مقلقة".
من جانبها، رحّبت رابطة السنوات المبكرة بأي إجراءات تهدف لتعزيز سلامة الأطفال، مؤكدة أن "سلامة الأطفال لا يجب أن تكون موضع مساومة".
وأعلنت وزارة التعليم البريطانية أنها ستُدخل إجراءات حماية جديدة في دور الحضانة بدءًا من سبتمبر المقبل، من بينها "تعزيز ممارسات التوظيف"، لمنع الأشخاص غير المؤهلين من العمل مع الأطفال.
وأكد متحدث باسم الوزارة أن الحكومة ستواصل "رصد الحاجة لأي تعديلات إضافية في متطلبات السلامة لحماية الأطفال بأقصى درجة ممكنة".