عرب لندن
كشفت تقارير حديثة أن عدداً من المجالس المحلية التي يسيطر عليها حزب العمال في بريطانيا قررت سحب استثماراتها من شركات الدفاع البريطانية، في خطوة اعتبرها البعض محاولة لاستمالة أصوات الناخبين المؤيدين لفلسطين.
وحتى الآن، صوتت تسع مجالس محلية على الأقل لصالح وقف استثمارات صناديق التقاعد التابعة لها في شركات تصنيع الأسلحة، وذلك رغم الضغوط الحكومية التي تحث على اعتبار شركات التصنيع الدفاعي “استثمارات أخلاقية”.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تسعى فيه وزيرة الخزانة راشيل ريفز إلى تعزيز الاستثمارات في قطاع الدفاع لتحسين القاعدة الصناعية للمملكة المتحدة، وسط دعوات أوروبية لإعادة التسلح عقب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي حثت القارة على تولي مسؤولية أمنها بنفسها، ودعم أوكرانيا عسكرياً.
ورغم توجه الحكومة لتعزيز قطاع الدفاع، فإن بعض المجالس العمالية تتحرك في الاتجاه المعاكس، تحت وطأة الضغوط من الجماعات المؤيدة لفلسطين، التي تعارض تزويد إسرائيل بالأسلحة، بحسب "التلغراف".
وأكد أحد أعضاء المجالس المحلية، الذي دعم التصويت على سحب الاستثمارات، أن القرار اتُخذ بشكل “تكتيكي”، إذ تم تجنب الإشارة إلى غزة بشكل مباشر، رغم أن الهدف الأساسي كان استقطاب الناخبين المسلمين والنشطاء المؤيدين للقضية الفلسطينية.
وأصبح مجلس دودلي في منطقة ويست ميدلاندز أحدث جهة تتبنى هذا القرار حيث صوت الأسبوع الماضي لصالح سحب ملايين الجنيهات من الشركات العاملة “بشكل مباشر أو غير مباشر في إنتاج الأسلحة”، مشيراً إلى أن هذه الخطوة يمكن أن “تساهم في تحقيق السلام”.
وقد حظي القرار بدعم أعضاء حزب العمال والديمقراطيين الليبراليين، في ظل غياب سيطرة مطلقة لأي حزب على المجلس.
ويأتي هذا التحول في وقت يواجه فيه حزب العمال ردة فعل غاضبة من بعض الناخبين بسبب موقفه الداعم لإسرائيل خلال الحرب على غزة، وهو ما قد يؤثر على نتائجه في الانتخابات المحلية المقررة في 1 مايو المقبل.
وانعكست هذه التوترات في الانتخابات العامة الماضية، حيث خسر الحزب عدة معاقل انتخابية تقليدية، بما في ذلك دوائر انتخابية لاثنين من وزراء الظل، لصالح مرشحين ركزوا حملاتهم على دعم القضية الفلسطينية.
وصرح أحد أعضاء المجالس المحلية، الذين شاركوا في قرارات سحب الاستثمارات، لصحيفة التليغراف قائلاً: “تعرض حزب العمال لضغوط كبيرة من الجماعات المحلية المؤيدة لفلسطين، خاصة في المناطق التي تضم أعداداً كبيرة من الناخبين المسلمين.”
وفي هذا السياق، برزت منطقة ويست ميدلاندز، التي تضم ثاني أكبر نسبة من الناخبين المسلمين بعد لندن، كإحدى البؤر الرئيسية لهذه التحركات، حيث قرر مجلسان محليان فيها سحب استثماراتهما من شركات الأسلحة البريطانية.
وفي لندن، اتخذت أربعة مجالس هي كامدن وإزلنغتون وتاور هامليتس وووالثام فورست، قرارات مماثلة بعد حملات ضغط من الجماعات المؤيدة لفلسطين.
إلا أن مجلس إزلنغتون قرر تعليق تنفيذ قراره لاحقاً، بعد تحذيرات من احتمال انتهاكه التزام صناديق التقاعد بتحقيق عوائد مالية للمستثمرين.
من جانب آخر، وافق صندوق تقاعد أفون، الذي يدير أصولاً بقيمة 6 مليارات جنيه إسترليني، على مراجعة استثماراته البالغة 14 مليون جنيه إسترليني في قطاع الدفاع، استجابة لضغوط من مجالس بريستول ونورث سومرست.
ومن المقرر أن يناقش الصندوق في وقت لاحق هذا الشهر إمكانية سحب استثماراته من سبع شركات دفاعية تزود الجيش الإسرائيلي بالمعدات العسكرية.
وصوت مجلس مانشستر الذي يديره حزب العمال الأسبوع الماضي، للضغط على مزود خدمات التقاعد الخاص به لوقف الاستثمار في شركات تصنيع الأسلحة وهو ما يعني إغلاق الباب أمام أي استثمارات جديدة في قطاع الدفاع من قبل أكبر صندوق تقاعد حكومي محلي في البلاد.
وتخطط عدة مجالس محلية أخرى لإجراء تصويتات مماثلة في الأشهر المقبلة، مما قد يؤدي إلى سحب ملايين الجنيهات من شركات دفاعية بارزة مثل "BAE Systems" وذراع شركة "Lockheed Martin" في المملكة المتحدة، رغم العوائد المرتفعة التي تحققها هذه الشركات للمستثمرين.
وأثارت هذه التحركات انتقادات واسعة من مسؤولين في مجال الدفاع، حيث قال اللورد ويست، القائد السابق للبحرية الملكية: “هذه المجالس لا تفكر بشكل منطقي، وهي تجعل بلادنا أقل أماناً. من الواضح أنهم لا يهتمون بالدفاع عن شعبنا، وهو أمر سيعود ليؤذيهم لاحقاً.”
وأضاف:“شركاتنا الدفاعية موجودة لحمايتنا، تماماً مثلما ينضم الجنود إلى الجيش للدفاع عن الوطن.”
كما وجه حزب المحافظين انتقادات لاذعة لحزب العمال، حيث صرح كيفن هولينريك، وزير الحكومة المحلية في حكومة الظل، قائلاً: “المجالس العمالية التي تستجيب لمطالب المقاطعة تؤجج التوترات المجتمعية وتعزز أولئك الذين يسعون لابتزاز بلادنا. هذه الخطوات تضر بالاقتصاد البريطاني وبقاعدتنا الصناعية الدفاعية في وقت نحن بحاجة إلى تعزيزها، لا إضعافها.”
ودعا حزب المحافظين حزب العمال إلى إعادة طرح مشروع قانون كان من شأنه منع المجالس المحلية من تنفيذ سياسات المقاطعة وسحب الاستثمارات.
ورغم هذه التطورات، أكد مصدر في حزب العمال أن الحزب لا يدعم حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، واصفاً القرارات الأخيرة التي اتخذتها بعض المجالس بأنها “تهديد حقيقي لحل الدولتين”.