ستارمر: بريطانيا لن تختار بين واشنطن وبروكسل رغم تهديدات ترامب التجارية
عرب لندن
أكد رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، أن المملكة المتحدة لن تختار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في ظل التوترات التجارية المتصاعدة، وذلك بعد تهديد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بفرض تعريفات جمركية على الاتحاد الأوروبي، مع احتمال منح بريطانيا استثناءً من هذه الإجراءات.
وشدد ستارمر خلال مؤتمر صحفي في بروكسل، على أن بلاده تدعم "علاقات تجارية مفتوحة وقوية" ولن تضعف جهودها لتعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي من أجل إرضاء واشنطن. وقال: "هذا النهج ليس جديدًا، وسيظل سياسة بريطانيا لسنوات طويلة قادمة".
وحسب ما ذكرته شبكة بي بي سي "BBC" جاءت تصريحات ستارمر خلال زيارته إلى بلجيكا، حيث التقى الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، وشارك في اجتماعات مع قادة الاتحاد الأوروبي، ليصبح أول رئيس وزراء بريطاني يحضر هذه اللقاءات منذ خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي.
بعدما أعلن ترامب فرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على كندا والمكسيك، قبل أن يعلقها لاحقًا، ألمح إلى إمكانية اتخاذ إجراءات مماثلة ضد الاتحاد الأوروبي، لكنه أشار إلى أن بريطانيا قد تكون مستثناة من هذه القرارات.
وفي تعليقه على التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا، قال الأمين العام للناتو، مارك روته، إن هناك "خلافات دائمة بين الحلفاء"، لكنها لن تؤثر على التزامهم المشترك بالحفاظ على قوة الردع العسكري.
وفيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، أكد روته أهمية استمرار الدعم لكييف، مشددًا على ضرورة زيادته لضمان تفاوض أوكرانيا مع روسيا من موقع قوة. كما أوضح أن إنفاق 2% من الناتج المحلي على الدفاع "لم يعد كافيًا للحفاظ على الأمن"، داعيًا الدول الأعضاء إلى تعزيز استثماراتها الدفاعية دون تأخير.
ودعا رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إلى تعزيز التعاون العسكري بين بريطانيا وأوروبا، مشددًا على أهمية تحسين البنية التحتية العسكرية واللوجستية، وتطوير الأبحاث الدفاعية، وتوسيع التعاون الصناعي المشترك.
كما حذر من التهديدات الخارجية التي تستهدف البنية التحتية الاستراتيجية، في إشارة إلى رصد سفينة تجسس روسية بالقرب من كابلات الاتصالات البحرية البريطانية الشهر الماضي.
تداعيات اقتصادية ومخاوف تجارية
أدى إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن فرض تعريفات جمركية جديدة إلى تراجع أسواق الأسهم الأوروبية والآسيوية، مع تضرر قطاع صناعة السيارات بشكل خاص. ورغم تأثر الاقتصاد البريطاني، إلا أن الضرر كان أقل مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي.
ووفقًا لدراسة أجرتها جامعة ساسكس، فإن فرض تعريفات أمريكية بنسبة 20% على جميع الواردات البريطانية قد يكلف الاقتصاد البريطاني 22 مليار جنيه إسترليني. ويرى ترامب أن هذه الخطوة ستعزز الاقتصاد الأمريكي وتحمي الوظائف، إلا أنها قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار نتيجة زيادة التكاليف.
فيما يتعلق بالتداعيات الدولية، أعلن الرئيس المكسيكي، كلاوديا شينباوم، أن بلاده توصلت إلى اتفاق مع واشنطن لتعليق التعريفات الجديدة مقابل نشر 10,000 جندي لمكافحة تهريب المخدرات. كما وافق رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، على تعليق الرسوم الأمريكية لمدة 30 يومًا ريثما تستمر المحادثات.
أما على الصعيد الأوروبي، فقد أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي "سيرد بقوة" إذا استهدفته واشنطن بإجراءات غير عادلة.
كما شدد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على ضرورة أن "يحترم الاتحاد الأوروبي نفسه" في مواجهة أي ضرر يلحق بمصالحه. بدورها، حذرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، من أن أي تصعيد في الحروب التجارية لن يكون له "رابح حقيقي"، مشيرة إلى أن الصين قد تكون المستفيد الأكبر من النزاع بين واشنطن وبروكسل.
وتسعى حكومة ستارمر إلى تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي عبر تسهيل التجارة في المنتجات الغذائية والحيوانية، والتعاون في أنظمة تداول الانبعاثات الكربونية، إلى جانب الاعتراف المتبادل بالمؤهلات المهنية، وتسهيل حركة الفنانين البريطانيين في أوروبا. كما يدرس الاتحاد الأوروبي إطلاق برنامج للتبادل الشبابي بين الجانبين، إلا أن الحكومة البريطانية لم تبدِ دعمًا واضحًا لهذا المقترح.
من جهة أخرى، لم تستبعد لندن الانضمام إلى اتفاقية "بان يورو-ميد"، التي توفر تسهيلات تجارية لبعض السلع بين أوروبا ودول البحر المتوسط، ما قد يفتح فرصًا اقتصادية جديدة أمام المملكة المتحدة.
وواجه ستارمر انتقادات حادة من حزب الإصلاح البريطاني بزعامة نايجل فاراج، الذي اتهمه بتمهيد الطريق لإعادة بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي. وقال فاراج: "بدلًا من التعاون مع اقتصاد أوروبي متراجع، يجب على بريطانيا السعي لاتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة".
كما اتهمه حزب المحافظين بالسعي "لإعادة فتح الجراح القديمة" بعد البريكست، في حين دعا زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، إد ديفي، الحكومة إلى التفاوض على اتحاد جمركي جديد مع الاتحاد الأوروبي لتسهيل التجارة.
وانتقد ديفي سياسات ترامب، معتبرًا أنه "يتصرف كمتنمر"، مؤكدًا ضرورة أن تقف بريطانيا مع حلفائها الأوروبيين والكومنولث لمواجهة سياساته التجارية العدائية.