لندن- حاوره جاد محمد

 رسم المخرج السوري أنور قوادري لنفسه مسارا متفردا عن بقية المخرجين العرب من خلال اشتغاله على أفلام عالمية وتحويلها للمشاهد العربي وكذلك اقتحام عالم هوليود وهو في عقده الثالث، قبل أن يراكم تجربة مكنته من إخراج العديد من الأفلام من بينها "عرب لندن" هذا المسلسل الذي تم تصويره في العاصمة البريطانية لندن ويتم تصنيفه كواحد من الأعمال التي تصور بدقة حياة المغتربين في بريطانيا، وفي هذا الحوار، تسأل مجلة "عرب لندن" المخرج السوري عن وصفته لبلوغ العالمية ورأيه في وضع السينما العربية وعن أعماله الجديدة.

 وصلت إلى لندن مع بدايات السبعينيات بغرض دراسة السينما كيف كانت الأجواء الفنية والسينمائية في عاصمة الضباب؟

في تلك الفترة كانت هناك حالة من الترقب لما سيحدث في العالم السينمائي بعد أن ظهرت حالة من التمرد على النمط السائد بدأت في فرنسا مع فرانسوا تروفو وفي أمريكا كان هناك مارتن سكورسيزي وكوبولا هذا التمرد وصل إلى مصر التي كانت مركز الإنتاج السينمائي العربي، يعني أنه في تلك الفترة كانت هناك سينما جديدة تولد، وشكل فيلم "العراب" لفرانسيس كوبولا نقطة الانطلاق الحقيقية لسينما جديدة، وأنا تابعت كل هذه التحولات أثناء دراستي في لندن وتأثرت بها وأعتقد أن الكثير منن أعمالي يمكن إدراجها ضمن هذه المدرسة المتمردة، وتعلمت من وجودي في بريطانيا كيف تنتج السينما البريطانية أفلامها وفق قوانينها الخاصة التي تمكنها من العيش لمدة طويلة.

كيف بدأت علاقتكم بالسينما؟

كانت هناك علاقة مباشرة بيني وبين الشاشة وتحديدا سنة 1964 كان هناك فيلم لسيرجي ليوني اسمه "من أجل حفنة من الدولارات" هذا الفيلم ترك نوع من السحر لدي للسينما، ومن حسن حظي أنني التقيت بسيرجي ليوني بعدها في مهرجان القاهرة سنة 1986 قلت له أنه كان السبب وراء تخصصي في السينما، فأخبرني بأنه هذا خبر جيد لأننا كسبنا مخرجا عالميا، لأن سيرجي ليوني كان معجبا بعملي "كسارة البندق".

من هي الأسماء التي أثرت في مسارك وعملك الفني؟

تعلمت على يد أستذ كبير وهو عاطف سالم وأعتبر نفسي محظوظا، واشتغلت أيضا مع المنتج نادر أتاسي والمخرج الكبير هنري بركات، والفنان محمود ياسين ونادية لطفي، إضافة للاحتكاك بيوسف شاهين فعندما تنهل من هؤلاء الكبار كل هذا يدفعني للإبداع أكثر وأيضا كنت محظوظ أنني كنت أدرس في لبنان وفي الإجازة كنت أقضيها في شارع الحمرا فهناك كانت تعرض أهم الأفلام العالمية، كل هذه الفترة أثرت بشكل كبير في تكوين ذائقتي الفنية ورؤيتي السينمائية.

 ما هي أهم الخطوات التي مكنتك من اقتحام السينما العالمية والمشاركة في أهم المهرجانات السينمائية؟

فيلم "كسارة البندق" كان الفيلم العالمي الأهم بالنسبة لي،كان المنتج هو نادر أتاسي وهو رجل متنور ومبدع ولكن طبعا حتى يصل العمل للعالمية فأنت تحتاج إلى تسويق وتوزيع على أعلى مستوى ولهذا تعاقدنا مع شركة بريطانية تمتلك العديد من دور العرض السينمائية في بريطانيا واتفقنا على جلب نجمة كبيرة، فوقع الاختيار على النجمة الهوليودية جون كولينز وعرضت عليها السيناريو وسبق لها أن شاهدت عملي السابق "غرفة الانتظار" وكان عمري حينها 27 سنة، وقالت كولينز إن هذا الشاب القادم من سوريا سيكون له مستقبل كبير في بريطانيا، وقمت باستخدام سمفونية بحرية البجع ما الموسيقي الفرنسي سايمون بارك الذي سأشتغل معه فيما بعد في فيلمي "عبد الناصر" لأنه قام بعمل جبار، وسيكون هذا الفيلم سببا ليتعرف جون ترافولتا على جون كولينز للتمثيل معه وسيكون المخرج هو سيلفستر ستالون، وبالتالي عندما تتعرف هذه الأسماء الهيوليودية على أعمالك وتصبح مرجعا لأسماء عملاقة في هوليود.

كيف راودتكم فكرة إخراج فيلم عن عرب لندن تحديدا؟

أنا من عرب لندن وعندي هاجس أن هؤلاء هم جزء من الأمة العربية وهناك بعض الشوارع في لندن تجد فيها الخليجي والشامي والمشرقي والمغربي وبالتالي كان هدفي هو معاجلة قضايا هؤلاء وصحيح أن الغرض الأساسي هو تسليط الضوء على قضايا العرب المهاجرين ولكن عيني كانت دائما على الشرق الأوسط أيضا لأظهر أن هناك تداخلا بين ما يعيشه المواطن العربي في بلاده وما يعيشه في الغربة، علما أن العرب في لندن لهم خصوصية فريدة مقارنة مع بقية المغتربين في العالم.

ما هي الأفكار التي حاول فيلم عرب لندن إيصالها للمشاهد العربي؟

كنت أريد أن أقول للمشاهد أن الغربة هي رحلة عذاب ومعاناة وطموح ومنافسة لأنك في مجتمع يقوم على المنافسة وهناك المؤامرات ومحاولات النصب والاستغلال، كل هذه النماذج موجودة وهناك المشردين في الغربة، كنت أريد أن أقول إن الغربة ليست هي الفردوس المفقود وليست هي الجنة وكانت عندي مقولة في المسلسل وهي أنه "حتى لو ملكت قصرا في لندن فأنت فقر لأنه ليس بلدك"، وكانت لدي رسالة أيضا هو إظهار أنه بالرغم من الاختلافات بين المواطنين العرب، لكن هناك العديد من القواسم المشتركة في حياة العرب هناك في الغرب ويشاركون نفس الهموم والقضايا.

ما هي وصفة إنجاز فيلم عربي بمواصفات عالمية؟

أولا يجب أن يكون المخرج قادرا على صناعة النجوم وعدم الاكتفاء بالاعتماد على النجوم الموجودين، لأن الوجوه الجديدة يكون تقبلها من طرف الجمهور أكثر سهولة، وأنا أيضا من محبي "منهج الممثل" القائم على التلقائية والبساطة وعدم التصنع، إضافة للتركيز على الجوانب الإنسانية والمشاعر والسلوك البشري فالأكيد أن المشاهد سيجد نفسه في إحدى الشخصيات أو يرى فيها أحد المقربين منها، ثم الإتقان والاعتماد على المحترفين والقدرة على تسويق العمل، لأن اختراق هوليود ليس بالأمر السهل، ولكن يحتاج استراتيجية تسويقية محكمة.

والدك كانت منتجا كبيرا ونقل إليك حب السينما هل قمتم بنفس الأمر مع أولادك؟

ابني الكبير درس السينما وتوجه إلى الاشتغال في اللوحات الفنية، وأعتبر أولادي بمثابة مستشاري، فقبل أي عمل سينمائي أعرض عليهم الأعمال وأستمع لآرائهم قبل مباشرة العمل وفي الكثير من الأحيان تكون آراءهم جيدة ولها عمق فني أستفيد منه

 ما هو تقييمكم لواقع السينما العربية؟

السينما العربية تعيش حالة من التراجع وباتت الكثير من الأعمال تلجأ للبهرجة والسطحية والاكتفاء بنجوم الشباك، وهذا مخيف لأنه لا يمكننا من صناعة النجوم ولا من التوفر على صناعة سينمائية حقيقية قادرة على المنافسة ولهذا فنحن نشاهد أن أغلب الأعمال التي تعرض تنتهي مدة صلاحيتها خلال أشهر، بعكس ما كان سابقا حيث الأعمال تظل صامدة لسنوات، كل هذه المشاكل سببها أيضا طبيعة الإنتاج حيث دخل لهذا الميدان بعض الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالفن.

هل هناك أعمال قادمة لأنور قوادري؟

أعلن من خلال هذا المنبر عن خبر حصري وهو عمل تلفزيوني ضخم يحاكي تجربة عرب لندن ولكن هذه المرة بإنتاج أضخم، أنا الآن أعكف على اللمسات الأخيرة لهذا المسلسل قبل الانطلاق في تصويره من أجل شهر رمضان المقبل وأعتقد أنه سيلاقي نجاحا كبيرا لدى المشاهد المتعطش للأعمال الجيدة.

 

 

 

 

 

السابق أنور قوادري: السينما العربية ابتعدت عن العالمية ويجب صناعة نجوم حقيقيين
التالي المجموعة العربية في حزب العمال تعود للحياة والنشاط.. ما الجديد؟