حازم المنجد-عرب لندن

 

مع استمرار العدوان الإسرائيلي وارتفاع وتيرة العنف والمجازر التي تفتك بحياة المدنيين في قطاع غزة يتصاعد زخم المظاهرات الشعبية في مختلف المدن البريطانية كغيرها من سائر مدن وعواصم الدول الكبرى حول العالم، حيث شهدت العاصمة لندن وللأسبوع الثالث على التوالي وتحديدا السبت 28-10-2023 خروج حشود غفيرة من جميع أطياف المجتمع البريطاني الثقافية والسياسية والحقوقية احتجاجا على ذلك العدوان ودعما للشعب الفلسطيني، ناهزت أعدادهم ما يقارب النصف مليون متظاهر وفقا لتقديرات الجهات التي تقف وراء تنظيم المظاهرة، ومن أبرزهم حملة التضامن مع فلسطين، ومنظمة أوقفوا الحرب والمنتدى الفلسطيني في بريطانيا وأصدقاء الأقصى. 

وبدأ تجمع الأفواج البشرية منذ الظهيرة في ساحة "فيكتوريا-إيمبا كمنت" التي كانت بمثابة نقطة التجمع الأولى التي انطلق منها المسير باتجاه منطقة ويستمنستر مركز العاصمة الإداري والسياسي وقلبها السياحي النابض وتدفق المتظاهرون على جنبات الشوارع والساحات المطلة على نهر التايمز، وشقوا طريقهم عبر جسر ويستمنستر الذي تنتصب عليه ساعة بيغ بين الشهيرة عند قصر البرلمان وسط إصرارهم على رفع الأعلام الفلسطينية بشكل مكثف وارتداء الكوفية التي ترمز للمقاومة والصمود راسمين مشهداً تاريخياً سيبقى محفورا في أذهان وذاكرة مناصري القضية الفلسطينية سواء في المملكة المتحدة أو خارجها..

وقد دوت أصوات المشاركين أثناء طوافهم في مناطق المظاهرة بهتافات تطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار وجرائم الإبادة والقصف الجوي والبري والبحري الذي يشنه الجيش الإسرائيلي على مدينة غزة، ونددوا برئيس الوزراء الإسرائيلي بوصفه "مجرم حرب" ينفذ سياسة الأرض المحروقة، ويفرض عقاباً جماعياً على المدنيين جراء قطع الاتصالات والكهرباء والوقود وشح المياه وندرة الطعام وقرب نفاد المواد والمعدات الطبية في المشافي التي أضحت على شفى الانهيار، داعين في ذات الوقت إلى السماح بمرور شاحنات المساعدات المتكدسة على الجانب المصري من معبر رفح، والتي من شأنها تخفيف المعاناة الإنسانية للمدنيين. كما نادى المتظاهرون بعبارات الحرية والعدالة لفلسطين من "البحر إلى النهر"، وإنهاء الاحتلال ونظام الفصل العنصري وتحقيق المساواة والسلام الذي يضمن حقوق الفلسطينيين في العيش على أرضهم بكرامة وعدالة.   

من جهة ثانية وجه المتظاهرون سيلا من الشعارات المعادية تجاه بعض السياسيين البريطانيين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء ريتشي سوناك على خلفية دعمه اللامحدود سياسيا واقتصاديا وعسكريا للحكومة الإسرائيلية مبررا ذلك بحق "إسرائيل بالدفاع عن النفس"، معتبرين ذلك الدعم يشجع الجيش الإسرائيلي على ارتكاب المجاز وزهق أرواح الآلاف من الأبرياء لاسيما من الأطفال والنساء، الامر الذي عده المتظاهرون انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان. وبدوره نال زعيم حزب العمال المعارض كير ستارمر نصيبا من تلك الهتافات المعادية والمنددة بموقف حزبه إزاء الحرب الدائرة في قطاع غزة بعدما حاول إضفاء نوع من الشرعية على جرائم الحرب الإسرائيلية التي ترتكب بحق المدنيين الفلسطينيين. 

وعلى هامش المظاهرة تحدث موقع "عرب لندن" إلى عدد من البريطانيين عن سبب المشاركة في المظاهرة ودعمهم للقضية الفلسطينية، حيث قالت "كيت" وهي صحفية ويلزية أنه وبعيداً عن جدلية السردية التاريخية التي روجت لها الدعاية الصهيونية في نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين عبر العديد في الأروقة السياسية ودوائر الإعلام الغربي، والتي تزعم بأحقية اليهود بأرض فلسطين، فإن مشاهد العنصرية والقتل والتدمير التي تستهدف الفلسطينيين أضحت واضحة ولم يعد بالإمكان إخفاؤها أو تبريرها تحت أي معطى أو مسمى، ولم يعد بالإمكان إخفاؤها، وأضافت أن هذه الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الفلسطينيون وفقدانهم الأمل وأبسط مقومات الحياة كانت مدعاة لمشاركتها بشكل دائم في المظاهرات وقوفها إلى جانب الطرف المعتدى عليه ومحاولة نصرته حتى تحقيق العدالة الإنسانية.

وقال "ستيف"وهو سياسي-اشتركي أن مناهج التعليم الرسمية في بريطانيا لا تتطرق إلى جذور المشكلة الفلسطينية بشكل عادل، وتحاول عن عمدٍ تزوير الحقائق وتتجنب الاعتراف بالخطيئة التاريخية التي ارتكبتها حكومة بلاده على حد تعبيره بعد صدور إعلان وعد بلفور عام 1917 الذي ساهم في تكريس المأساة الفلسطينية وولادة "دولة إسرائيل" وما تبعها من سرقة أراضي سكانها وتهجيرهم في شتى أصقاع العالم.  

زار ستيف عدداً من دول الشرق الأوسط والعالم العربي، حيث عمل مدرسا للغة الإنجليزية بإحدى مدارس القاهرة في تسعينيات القرن الماضي، بني على إثرها العديد من المعارف والصداقات في الأوساط المصرية لعبت دورا كبيرا في تعرفه على الثقافة العربية، وساعدته على زيادة فهمه عن قرب لطبيعة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وحال عودته إلى بريطانيا أسس ستيف حركة حقوقية في مدينة أوكسفورد تنشط في مجال الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في كل مناسبة أو فعالية تتاح لها فرصة المشاركة فيها.

ويذكر أن في هذا الأسبوع كان لافتاً تقسيم اللجان المنظمة للمتظاهرين على ساحتين رئيسيتين بسبب ارتفاع أعدادهم، واحدة عند البرلمان وأخرى في الطرف الأغر، وذلك منعاً للاكتظاظ وحرصاً على سلامة المشاركين، حيث ألقى مجموعة من نواب حزب المحافظين وحزب العمال والسفير الفلسطيني حسام زملط، إضافة عدد من السياسيين والنشطاء البارزين على الساحة البريطانية خطابات قوية أمام الجموع التي احتشدت في كلتا الساحتين ركزت بشكل أساسي على الدعوة إلى وقف التصعيد ووضع حد لأعمال العنف والتطهير العرقي التي تستهدف المدنيين في قطاع غزة، وأبدوا خلالها مناصرتهم لقضية الشعب الفلسطيني في ظل استمرار العدوان والاحتلال وعدم تطبيق القرارات والقوانين الدولية.

 

السابق "من لندن نقف إلى جانب غزة"… عنوان لتجمع ثقافي تضامنا مع الشعب الفلسطيني 
التالي (فيديو) انطلاق المظاهرة الأسبوعية الثالثة في لندن رفضا للعدوان على قطاع غزة