عرب لندن
ألقى موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، من خلال مقال للكاتب جوناثان كوك، الضوء على عنصرية الدولة الألمانية التي أصبحت الآن موجهة بشكل متزايد نحو الفلسطينيين، وذلك من خلال تكميم الأفواه المناصرة للقضية الفلسطينية تحت حجة معاداة السامية.
وأشار الكاتب، على الخصوص، إلى قرار مجتمع الفنون الألماني إلغاء جائزة مرموقة مدى الحياة للكاتبة المسرحية البريطانية كاريل تشرشل بسبب دعمها القوي للفلسطينيين يسلط الضوء على العنصرية الأوروبية الحديثة. وكانت تشرشل جُردت من جائزة الدراما الأوروبية في 31 تشرين الأول/ أكتوبر، وقد أيدت القرار بيترا أولشوفسكي، وزيرة الفنون في ولاية بادن فورتمبيرغ، قائلة إن الدولة تتخذ موقفًا واضحًا وغير قابل للتفاوض ضد أي شكل من أشكال معاداة السامية.
ومن المثير أن لجنة التحكيم ذهبت في الاتجاه ذاته، حين أوضحت بأن مشكلتين لفتتا انتباهها منذ منحها الجائزة للكاتبة المسرحية البريطانية كاريل تشرشل، أولاهما دعمها لحركة مقاطعة إسرائيل؛ إذ صنف أغلبية البرلمان الألماني دعم هذه الحركة على أنه "معاد للسامية". والثاني هو مسرحية قصيرة بعنوان سبعة أطفال يهود كُتبت قبل 13 عامًا في أعقاب القصف الإسرائيلي الوحشي للفلسطينيين المحاصرين في غزة في شتاء 2008-2009؛ حيث قالت هيئة اللجنة الألمانية في بيان إن المسرحية "يمكن اعتبارها معادية للسامية".
جوناثان كوك أوضح بأن أحد الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من إلغاء جائزة كاريل تشرشل هو أن النخب الألمانية فشلت في استيعاب الدرس الرئيسي للهولوكوست. ومن المسلمات أنه يجب ألا نتسامح أبدًا مع شيطنة الفئات المضطهدة والمهمشة والمتضامنين معها، خاصةً عندما تكون الدولة نفسها وراء هذه الشيطنة، لأن هذه هي الطريقة التي تؤدي إلى المذابح.
وبعد أن ذكر الكاتب، في مقاله، بأن هذا الوضع يعيشه الفلسطينيون في عدد من الدو الغربية، استدرك بالقول إن الأمر الأكثر تناقضًا بالنسبة إلى ألمانيا هو أنها لم تؤذِ الفلسطينيين ومؤيديهم فقط بقمعها لحركة المقاطعة، بل تؤذي اليهود أيضًا لأنها تعاملهم على أنهم مسؤولون بطبيعتهم عن أفعال إسرائيل، التي لا تمثل جميع اليهود كما لا تمثل السعودية جميع المسلمين، مشيرا إلى أن تأييد السامية المتفاخَر بها في ألمانيا هي ببساطة معاداة معلقة للسامية، فإذا كان يُنظر إلى اليهود على أنهم مرتبطون مباشرة بإسرائيل، فإن مصيرهم يعتمد على موقف الألمان تجاه إسرائيل في أي لحظة معينة، أي أنه إذا انقلب الموقف الغربي تجاه إسرائيل، فلن يكون اليهود في مأمن.
الكاتب جوناثان كوك أكد، في مقاله، أن ما يدعو إليه الغالبية العظمى من الفلسطينيين وأنصارهم هو أن إسرائيل و"اليهود" ليسوا نفس الشيء، وأن انتقاد إسرائيل ليس انتقادًا لليهود، والذين يزعمون ذلك يلعبون بالنار لأنهم يوفرون الظروف لتحويل أصدقاء اليوم إلى معذبين غدًا، متسائلا كيف وصلت ألمانيا إلى النقطة التي تلغي فيها جائزة لكاتبة مسرحية مشهورة لأنها تدعم حق الفلسطينيين في الحرية والكرامة، وكيف أصبحت ألمانيا، وبدون تفكير، عنصرية تجاه الفلسطينيين ومؤيديهم، ومرة أخرى تجاه اليهود؟
وأوضح الكاتب أن هناك سياقًا أوسع لإعادة ألمانيا استخدام عنصريتها عن طريق النخب نفسها التي انجذبت مرة إلى وجهة نظر عالمية ألقت باللوم على اليهود في تخريب "الحضارة الآرية"، وتنجذب الآن إلى نظرة عالمية تلوم المسلمين - بما في ذلك الفلسطينيون - لتخريب الحضارة الأوروبية. ويعتقد الكاتب أن هذه النظرة الأحادية جذابة لأنها تنحي التعقيد وتقدم حلولاً بسيطة تقلب العالم، وتضع الظالم والنخب الغربية في صف الخير وأولئك الذين يضطهدونهم إلى جانب الشر، وهي نفس النظرة التي دفعت ألمانيا في القرن الماضي نحو أهوال معسكرات الموت.
ونفس العنصرية التي غذت الهولوكوست لا يجب أن تؤدي بالتحديد إلى إبادة جماعية أخرى، لكن هذه الجريمة الكبرى لها مشابهات تبدو أقل بشاعة مثل الإقصاء والشيطنة، وكلها بمثابة مقدمة لجرائم أسوأ.
وقرر الكاتب أن ما يحدث ليس من قبيل الصدفة، ذلك أن إسرائيل ساعدت في زرع هذا الانقسام بينما استغله أنصارها بشكل كبير، وقدمت إسرائيل القصة البديلة للنخب الغربية لتدبير مواجهة حضارية مفترضة بين الغرب والشرق، وبين العالم اليهودي المسيحي والعالم الإسلامي، بين الإنسانية والهمجية، وبين الخير والشر. وهذه الحكاية الأخلاقية، التي تتناقض مع المحرقة التي كانت بمثابة مقدمة لها، كُتبت لطمأنة الجماهير الغربية على إحسان قادتهم. ومن خلال ندمها، طهرت ألمانيا - مركز الإبادة الجماعية لليهود - نفسها وبقية أوروبا من خطاياها.
في الأخير، يقول الكاتب إن الكفاح من أجل الدفاع عن الفلسطينيين ثقافيًا وفنيًا أصبح الآن إلى حد كبير قضية خاسرة. من يستطيع أن يتخيل مسرحية "سبعة أطفال يهود" يتم إنتاجها في مسرح ويست إند كما كان الحال قبل 13 عامًا؟ مشيرا إلى أن عالمنا الثقافي أكثر ترددًا وخوفًا في استكشاف وتمثيل حقائق المعاناة الفلسطينية، ومن المفارقات أنه حتى هذه الحقائق أصبحت مفهومة بشكل أفضل من أي وقت مضى بسبب وسائل التواصل الاجتماعي.