عرب لندن
مع قرب انطلاق كأس العالم بكرة القدم في قطر وتزايد الدعوات في أوروبا لمقاطعة العرس الكروي، انتقلت الدوحة في تصديها للانتقادات التي تستهدفها إلى موقف هجومي قوامه حملة إعلامية مضادة وتحرك دبلوماسي وتلويح بإجراءات قضائية.
وتشمل الانتقادات التي تكثفت منذ شهرين اتهامات بالفساد متعلقة بكيفية حصول الإمارة الثرية على حق تنظيم البطولة، وسجل الدوحة الحقوقي في مجال الحريات وحقوق المرأة وأفراد مجتمع الميم والعمال المهاجرين، وصولا إلى تقاليد المجتمع القطري المحافظ ومناخ الإمارة الحار وتكييف الهواء في الملاعب.
وبعد أن كانت قطر تكتفي بالرد بأن "الجميع مرحب بهم" في المونديال، وبإبداء الأسف لعدم تحقق منتقديها بأم العين مما يجري على أرض الواقع بدلا من "إطلاق الاتهامات جزافا "، انتقلت اليوم إلى الهجوم.
وشكل خطاب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في افتتاح عقد مجلس الشورى في 25 تشرين الأول/أكتوبر نقطة تحول في طريقة مواجهة الدوحة.
وقال الأمير يومها "منذ أن نلنا شرف استضافة كأس العالم، تعرضت قطر إلى حملة غير مسبوقة لم يتعرض لها أي بلد مضيف".
وأضاف "تعاملنا مع الأمر بداية بحسن نية، بل واعتبرنا أن بعض النقد إيجابي ومفيد"، لكن "الحملة تتواصل وتتسع وتتضمن افتراءات وازدواجية معايير، حتى بلغت من الضراوة مبلغا جعل العديد يتساءل للأسف عن الأسباب والدوافع الحقيقة وراء هذه الحملة".
وبرأي وزير العمل القطري علي بن صميخ المري، هذه الدوافع "عنصرية" في جزء منها.
وقال المري في مقابلة مع وكالة فرانس برس في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر "هم لا يريدون السماح لدولة صغيرة، دولة عربية، دولة مسلمة، أن تنظم كأس العالم. هم على بينة تامة من الإصلاحات التي حصلت، لكن هم لا يعترفون بها لأن دوافعهم عنصرية".
ولعل التصعيد الأبرز في موقف الدوحة أتى في 28 تشرين الثاني/أكتوبر حين أعلنت وزارة الخارجية القطرية أنها استدعت سفير ألمانيا في الدوحة احتجاجا على تصريحات "غير مقبولة ومستهجنة ومستفزة للشعب القطري" أدلت بها وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فايسر المكلفة أيضا حقيبة الرياضة والتي قالت "من الأفضل عدم منح شرف تنظيم البطولات لمثل هكذا دول".
لكن الوزيرة الألمانية التي زارت الدوحة بعد يومين من هذا التصعيد الدبلوماسي، خففت كثيرا من نبرتها في قطر، مؤكدة أنها حصلت على "ضمانات أمنية" لجميع المشجعين، بمن فيهم الزوار من أفراد مجتمع الميم في بلد تجرم قوانينه المثلية الجنسية.
وقالت "من المهم دعم قطر في إصلاحاتها الحاسمة للمستقبل. لهذا السبب، قررت دعم هذا المسار والذهاب إلى هناك لحضور المباراة الأولى لألمانيا" في 23 تشرين الثاني/نوفمبر.
وخلال جولة أوروبية قام بها في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أجرى وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مقابلات مع وسائل إعلام أوروبية رد فيها على الات هامات الموجهة لبلاده.
وفي مقابلاته مع قناة "سكاي نيوز" التلفزيونية البريطانية وصحيفتي "لوموند" الفرنسية و"فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ" الألمانية، قال "هناك الكثير من النفاق في هذه الهجمات (...) التي يقف وراءها عدد ضئيل جدا من الناس، في عشر دول على الأكثر"، مشددا على أن "كرة القدم ملك للجميع، وليست ناديا حصريا للنخب".
كما حرصت الدوحة على أن يتضمن البيان الختامي للقمة العربية التي عقدت في الجزائر في الثاني من الجاري فقرة تندد بـ"حملة التشويش والتشكيك المغرضة" التي تتعرض لها قطر، وتؤكد أن القادة العرب "يساندون دولة قطر التي تتأهب لاحتضان نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 ويثقون ثقة تامة في قدرتها على تنظيم طبعة متميزة لهذه التظاهرة العالمية".
وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة الخطوط الجوية القطرية أكبر الباكر الأحد "مع كل الدعاية السلبية في الصحافة وكل الإعلانات السلبية المدفوع ثمنها ضد بلدي، أريد أن أقول شيئا واحدا : بلدي سيكون بالفعل محط أنظار العالم خلال الأسابيع الخمسة المقبلة إذ سيشاهده خمسة مليارات شخص حول العالم، لذلك ستظهر كل الأخبار الزائفة فشلها".
وتنسحب استراتيجية الهجوم على وسائل الإعلام القطرية. فقد بثت قناة "الجزيرة" في السابع من الجاري تقريرا مدته 50 دقيقة استعرضت فيه مصدر الانتقادات "بدءا ببريطانيا ثم فرنسا فالدنمارك".
أما الصحافة المحلية اللصيقة بالسلطة، فتشن منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر حملة ضد منتقدي المونديال.
وانتقدت صحيفة "الشرق" "التآمر الإعلامي الممنهج من طرف إعلام العديد من الدول الأوروبية التي تؤكد بأنها ستقاطع المونديال بسبب حقوق العمال وظروفهم في قطر، في وقت تناسى فيه هذا الإعلام الظروف المزرية التي يعيشها العمال في أوروبا".
وقالت إن "هذا الإعلام البائس، في كل مرة يفتعل قصة لكل بلد يستضيف البطولة من خارج القارة العجوز"، مشيرة الى آخر ثلاث بطولات في جنوب إفريقيا 2010 والبرازيل 2014 وروسيا 2018.
وقبل أيام، أثارت صحيفة "لو كانار آنشينيه" الفرنسية الساخرة غضبا عارما في البلد الخليجي عندما نشرت رسما كاريكاتوريا يقدم لاعبي المنتخب القطري على أنهم رجال ملتحون يحملون رشاشات.
ورد القطريون بالمثل، فنشر رسام الكاريكاتور محمد عبد اللطيف رسما صور فيه لاعبي المنتخب الفرنسي جنودا فرنسيين يركلون جماجم، في إشارة إلى ضحايا الاستعمار الفرنسي.
وردا على تقرير نشرته صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية يتهم الدوحة بالتجسس في إطار تنظيم المونديال، لوحت الدوحة بإجراءات قضائية.
وقال بيان رسمي إن الدوحة "لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء مثل هكذا مزاعم لا أساس لها، وجميع الخيارات القانونية المتاحة أمامنا يتم درسها لضمان محاسبة المسؤولين" عن الاتهامات.