عرب لندن
أقالت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس، الجمعة، وزير المال بعد اضطرابات في الأسواق، بينما تسعى شخصيات في حزبها المحافظ لإطاحتها بعد انهيار أجندتها الاقتصادية اليمينية.
وبات كواسي كوارتنغ ثاني وزير للمال في تاريخ المملكة المتحدة السياسي لجهة قصر المدة التي قضاها في منصبه، فدفع ثمن الذعر في أسواق المال الذي تسبب به برنامج تراس القائم على خفض الضرائب في غياب مصدر للتمويل يغطي كلفة الإجراء.
ولم تنجح تراس في طمأنة المستثمرين والناخبين في المملكة المتحدة خلال مؤتمر صحافي مقتضب كان الأول لها منذ خلفت بوريس جونسون في السادس من أيلول/سبتمبر.
شددت تراس على أنها تحركت بـ"شكل حاسم" لإعادة "الاستقرار الاقتصادي"، لكن الجنيه الإسترليني واصل تراجعه في أسواق العملات ليبلغ أقل من 1,12 دولار.
وقالت "سنتجاوز هذه العاصفة"، بينما رفضت الإجابة على أكثر من أربعة أسئلة واكتفت بالرد بإجابات مقتضبة. وأضافت "أريد أن أضع اقتصادا قائما على الضرائب المنخفضة والأجور العالمية والنمو المرتفع.. تبقى هذه المهمة".
واستبدل كوارتنغ، الذي عاد قبل الأوان من اجتماعات دولية منعقدة في واشنطن، بوزير الخارجية السابق الوسطي والذي كان مرشحا لزعامة المحافظين جيريمي هانت، ليصبح رابع وزير للمال في بريطانيا هذا العام.
ومنذ تدخل بنك انكلترا في أسواق السندات، تراجعت بعض الشيء حدة الاضطرابات المالية التي أثارتها خطة الحكومة في 23 أيلول/سبتمبر لخفض الضرائب، والممولة عبر استدانة المليارات.
لكن المصرف المركزي كان عازما على وضع حد لتحركه لشراء السندات الجمعة بينما أفاد محللون بأن الطريقة الوحيدة لتجنب حالة ذعر جديدة ستكون بتنازل كبير من قبل تراس بعد إعلان كوارتنغ الكارثي المرتبط بالميزانية الشهر الماضي.
وتراجعت تراس بالفعل فأعلنت أنها ستبقي على خطة حكومة جونسون القائمة على زيادة الضرائب على أرباح الشركات، بعدما سبق أن تراجعت عن خفض الضرائب بالنسبة لأصحاب المداخيل الأعلى.
وكان لتعهدها خفض الضرائب دور أساسي في نجاحها في الوصول إلى زعامة الحزب المحافظ خلفا لجونسون بدلا من منافسها المعتدل ريشي سوناك.
وأشار استطلاع أجراه معهد "يوغوف" لصحيفة "ذي تايمز" إلى أن 43 في المئة من الناخبين المحافظين يطالبون بتغيير رئيسة الوزراء.
وأظهرت استطلاعات أخرى تقدما كبيرا لحزب العمال المعارض، وهو ما يهدد بضربة موجعة للمحافظين في الانتخابات المقبلة.
وتعليقا على التطورات الأخيرة، قال زعيم العمال كير ستارمر إن إقالة كوارتنغ "لن تصلح الأضرار في داونينغ ستريت". وأضاف "تسبب نهج ليز تراس المتهور بتحطيم الاقتصاد، إذ أدى إلى ارتفاع كبير في قروض الرهن العقاري وقو ض موقع بريطانيا على الساحة الدولية".
ورأى توني ترافرس من "كلية لندن للاقتصاد" أن كوارتنغ "كان كبش الفداء الذي تم تحميله تبعات أخطاء الحكومة"، لكن إقالته لن تخفف الضغط عن تراس ولن تساهم في تهدئة المحافظين. وأضاف في تصريحات لفرانس برس "من الصعب للغاية" أن يتجاوز المحافظون الأزمة الحالية بحلول الانتخابات المقبلة.
كان من المقرر أن يبقى كوارتنغ في واشنطن نهاية الأسبوع الجاري لاختتام اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي السنوية، بعدما وجهت إليه المديرة العامة لصندوق النقد كريستالينا غورغييفا انتقادات بينما أشارت إلى وجوب وضع سياسات "متماسكة ومنسجمة".
وفي تعليقه على التراجع عن خفض الضرائب، أشاد المسؤول الرفيع في صندوق النقد الدولي ألفريد كامر بـ"المؤسسات القوية" في المملكة المتحدة مثل بنك انكلترا و"مكتب مسؤولية الموازنة" اللذين قوضتهما تراس ووزير المال المقال.
أما المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية باولو جنتيلوني فرأى أن الوضع الراهن في المملكة المتحدة يظهر حاجة الدول الى التزام الحذر "في ما يتعلق بسياساتنا المالية والنقدية".
وأصر كوارتنغ من واشنطن الخميس على أنه باق في منصبه. وقال "لن أذهب إلى أي مكان".
لكن شبكات البث البريطانية بثت لقطات حية لطائرة كوارتنغ لدى هبوطها في مطار هيثرو قبل يوم من الموعد المقرر، بعدما عقدت تراس اجتماعات عاجلة مع مستشاريها الماليين في غيابه.
وذكرت تقارير عدة أن عددا من كبار النواب المحافظين يخططون لإطاحة تراس واستبدالها بفريق آخر يقود البلاد ويضم سوناك وبيني موردونت التي ترشحت أيضا في السباق على خلافة جونسون.
وقال الصحافي البارز في "بي بي سي" نك وات على تويتر إن كبرى شخصيات الحزب قد تتحرك الأسبوع المقبل. وكتب "قالوا إنه لا يمكن القبول ببقاء رئيسة الوزراء بعد إقالة كواسي كوارتنغ الذي كان يطبق البرنامج الذي أكسبها زعامة المحافظين".
لكن النائب اليميني المحافظ البارز برنارد جينكن دعا إلى "التهدئة" بعد تعيين هانت. وقال على تويتر إن "الحديث المتهور عن إطاحة رئيسة الوزراء أو الدعوات إلى انتخابات عامة، لن يساهم في تهدئة أسواق المال".