محمد سليم – لندن
تتحضر المملكة المتحدة لحدث استثنائي وتاريخي، وهو الاحتفال باليوبيل البلاتيني لجلوس الملكة إليزابيث على العرش، لتكون بذلك أطول ملكة في تاريخ البلاد والتاريخ الحديث تتجاوز سبعين سنة وهي تحكم البلاد.
هذه العقود الطويلة من حكم الديمقراطية الأعرق في العالم، رسمت حول الملكة صورة عالمية، جعلتها من أكثر الشخصيات شهرة وشعبية في العالم، وأحاطتها بهالة من التوقير والتقدير العالمي، فلا أحد من زعماء العالم، يستطيع أن يتجاوز البروتوكول الملكي في حضرتها.
ويعرف العالم كله الملكة إليزابيث من غير طريقة لباسها الملكية، والألوان التي ترتديها، وتميز قبعاتها، وطريقتها في التعامل مع ضيوفها، حتى أنها تحولت لعلامة تجارية للترويج للمملكة المتحدة وللسياحة في البلاد.
إلا أن الوجه المبتسم والهادئ، ليس وحده ما يميز الملكة، فلها أيضا وجه حازم وصارم لا يتساهل مع الأخطاء، ولا يتهاون في دفع أي خطر يهدد العرش البريطاني، وإن كان هذا الخطر من أقرب المقربين، فالملكة تتعامل معه بصرامة منقطعة النظير، تفاجئ حتى محيطها الأسري.
عقدة ديانا
اعترفت الملكة إليزابيث الثانية أصعب حدث مر عليها منذ توليها الحكم كان حدث وفاة الأمير ديانا زوجة الأمير تشارلز التي توفيت في حادث مأساوي، ولم تكن العلاقة بين الملكة وأميرة الشعب كما كانت تلقب بالجيدة، بل طبعتها الكثير من الصدامات واللحظات العاصفة، إلى أن توفيت ديانا في حادثة سير مأساوية.
ويقدم لنا كتاب "المزرعة" لمؤلفته بيني جينور صورة عن العلاقة المتوترة التي جمعت بين الملكة إليزابيث الثانية والأميرة ديانا؛ "الملكة تعودت منذ صغرها على الفصل بين حياتها الخاصة والحياة العامة، أما الأميرة ديانا فهذه حياة جديدة عليها وتتعامل ببساطة مع الناس".
ويرى الكتاب أن مشكلة الأميرة ديانا مع المحيط الملكي أنها كانت مختلفة، وفي أسرة عريقة لها قواعدها الصارمة؛ فالاختلاف يعني خروجا عن الأعراف وعن المألوف. وتقول تفسيرات كثيرة إن الصد الذي قوبلت به ديانا في القصر كان من أسباب تعاستها
الحفيد المتمرد
وكأن عقدة الأميرة ديانا تأبى أن تغادر قصر "باكنغهام" في لندن، الذي عصفت به ريح تمرد الأمير هاري وزوجته الأمريكية ميغان، فبعد إعلان الأمير تخليه عن منصبه في العرش باعتباره الرابع في ترتيب العرش البريطاني، وقرار مغادرته البلاد متجها نحو أمريكا ليبدأ هناك حياة جديدة.
القرار أحدث هزة في أوساط العائلة المالكة إلا أن الملكة لم تتردد في سحب كل الامتيازات والألقاب من حفيدها، ولم تمانع قرار مغادرته البلاد، وفي كل خطاباتها، حرصت الملكة على عدم وجود صور حفيدها هاري.
وما أشبه اليوم بالبارحة، وما أكثر نقاط التشابه بين ذلك الحوار الشهير الذي أجرته الأميرة الراحلة ديانا مع شبكة "بي بي سي" (BCC)، وكشفت فيه عن تعرضها للخيانة من طرف زوجها، وعن أجواء الحياة داخل القصر الملكي البريطاني، وبين الحوار مع ميغان زوجة الأمير هاري ابن ديانا الأصغر، وفيه أيضا كشفت الكثير من المعطيات التي ربما ستغير من وجه الملكية في بريطانيا، ولن تمر مرور الكرام.
لم تهتز الملكة وتعاملت أيضا بصرامة مع الموضوع عندما تحدثت تقارير عن استلامها هذا الملف شخصيا ومتابعتها للموضوع بنفسها.
ويلجأ عادة القصر في بريطانيا إلى تسريب الأخبار لوسائل الإعلام إذا ما أراد إيصال رسالة غير رسمية لجهة ما، وهذه المرة الرسالة موجهة إلى الزوجين هاري وميغان بأن الملكة لا تتعامل باستخفاف مع تصريحاتهما، عقب تقارير إعلامية أميركية قالت إن الزوجين يشعران بالغضب والإحباط لعدم فتح القصر أي تحقيق لمعرفة الشخص الذي سأل عن لون جنين ميغان.
دموع ابن الملكة
لم يسلم الأمير أندرو من صرامة الملكة والدته، فهذا الأمير المتابع بشبهات الاعتداء الجنسي، أكثر من يعرف الوجه الذي لا يرحم للملكة عندما يتعلق الأمر بالأخطاء التي تسيء لصورة أعرق أسرة حاكمة في العالم.
ومباشرة بعد إعلان القضاء الأمريكي أنه سيمضي قدما في التحقيق في قضية اعتداء الأمير على تتهم الأمير بأنه اعتدى عليها جنسيا وهي ابنه سبعة عشر عاما، قال قصر باكنغهام إن الألقاب العسكرية لدوق يورك وكذلك رعايته الملكية قد أعيدت إلى الملكة. وقال مصدر ملكي إن الأمير أندرو سيتوقف أيضا عن استخدام لقب "صاحب السمو الملكي" بصفة رسمية.
ونقلت عدد من التقارير الإعلامية البريطانية أن الأمير انهار بالبكاء عندما أبلغته الملكة بقرار تجريده من كل ألقابه العسكرية، ورصدته عدسات الكاميرات وهو يغادر قلعة ويندسور حيث تقيم الملكة وعلامات التأثر بادية على وجهه.
نفس التقارير قالت إن الأمير سيضطر لبيع عدد من العقارات التي يمتلكها من أجل تغطية مصاريف الدفاع عن نفسه أمام المحاكم الأمريكية بعد أن قطعت عنه الملكة كل مصادر التمويل.
لا تعترف بالشيخوخة
أجبر وباء كورونا والإغلاق الشامل الملكة على البقاء في حالة عزلة تامة وصارمة في قصرها في "ويندسور"، وترسخت هذه العزلة بوفاة زوجها الأمير فيليب.
وبمجرد فتح البلاد من جديد، ظهرت الملكة كأنها تريد استدراك ما فاتها، فكانت حريصة على حضور كثير من الأنشطة، وتظهر سجلات الأنشطة الملكية أنها قامت بأكثر من 15 نشاطا خلال أكتوبر/تشرين الأول الحالي.
ولا تدخر الملكة إليزابيث جهدا في إظهار أنها ما زالت قادرة على القيام بكل واجباتها كملكة، بل إنها ترفض الاعتراف بوصولها لمرحلة الشيخوخة.
ورغم النصائح المتكررة من فريقها الطبي لأخد مدة طويلة من الراحة إلا أن الملكة ترفض التخلي عن أدوراها في ترؤس الأنشطة العمومية لحد الآن.