عرب لندن
مرت 12 سنة دون أن يلتقي هفال روجافا (اسم مستعار للاجئ سوري بالنمسا) بوالديه، إذ أنه يعيش منذ عام 2009 في النمسا ويعمل حلاقا هناك. بنى هافال الشاب السوري، البالغ من العمر 33 عاماً، محله وعلاقاته وشبكة زبائنه، وكل هذا مهدد الآن بالانهيار، بسبب غيابه عن المحل، وهو مضطر لذلك، إذ عليه البقاء في بولندا بالقرب من الحدود البيلاروسية في انتظار والديه.
وحسب دوتشي فيله الألمانية، التي صاغت قصة الشاب السوري، فإن الأم تبلغ من العمر 55 عاما والأب 60 عاما، وهما معلقان منذ فترة، بحسب قول هافل، عند الحدود في بيلاروسيا قرب بولندا وليتوانيا، من دون طعام أو شراب أو أدوية. وكلما تمكن الوالدان من شحن هاتفيهما، يتصلان بابنهما في بولندا. مرتان تمكن الابن من تحديد موقعهما من خلال تطبيق معين، لكن الاتصال انقطع معهما منذ يومين. "لقد كانت هذه فكرة سيئة أن أجلبهما إلى بيلاروسيا"، يلوم الشاب نفسه.
ويوضح المصدر نفيه أن هفال استأجر غرفة في فندق قرب الحدود، وهو ظل يمسك بهاتفه في انتظار أي رسالة من والديه، طيلة حديث الموقع الألماني معه. وبين الحين والآخر يرن الهاتف، يجيب ويعتذر، فالاتصال يمكن أن يكون مهما جدا. هفال يأمل أن يقربه الاتصال خطوة تجاه والديه المختفيين عند الحدود. فهو يعلم جيدا أن ما يبعده عن والديه 30 كم فقط، لكن لا يمكن التواصل معهما.
"لم يأت والدي إلى بيلاروسيا بسبب المال ولا بسبب الحرب في سوريا"، يقول هفال. شقيقتان له يعيشان منذ أعوام في ألمانيا، وشقيق آخر له يعيش في النمسا أيضا. "أمي قالت، لم ألتق أولادي وبناتي منذ عشرة أعوام. والدي ووالدتي لا يستطيعان العيش في النمسا بسبب الاختلاف في العقلية، والسبب الوحيد الذي دفعهما إلى المجيء هو أنهما يريدان لقاء أولادهما".
اشترى والده تذكرة سفر في سوريا إلى منسك من مكتب سياحي. مثل هذه الرحلات معروضة في كل زاوية هناك، بحسب قوله. ويشرح بالقول: "كل ما أردته هو لقاء أمي وأبي". فهو هارب من سوريا لأن الحرب هناك ليست حربه. ولأنه هرب من الخدمة العسكرية، فهو معرض لعقوبة الإعدام. "وحتى لو أوقفني عنصر من تنظيم داعش، فإنه سيقلتني. في حال عرف أنني كردي"، يقول هفال.
ويتساءل الشاب الكردي قائلا: "نهرب من المتطرفين لأنهم يريدون قتلنا. وحين نصل إلى أوروبا نسمع أننا مسلمون. أنت تهرب من بلدك للبحث عن مكان آخر، حيث لا تلتقي المتطرفين، ثم يتم إبعادك لأنك مسلم. هل تعلم كم صعب هذا الأمر؟".
أكثر من مرة يؤكد هافال أن والديه ليسا بحاجة إلى المال، "لا يمكن لشخص فقير شراء تذكرة يتراوح سعرها بين 16 إلى 20 ألف يورو. الناس هنا على الحدود عندهم أموال، لكنهم رغم ذلك في زمن الحرب لا يشعرون بأمان".
حسب دوتشي فيلهن فللبحث عن وضع آمن، لم يحصل والداه ولا المهاجرون الآخرون على ذاك الأمان المرجو في بيلاروسيا. يراقب حرس الحدود من كلا الجانبين بعضهم البعض. وزارة الدفاع البولندية تحدثت عن "استفزازات" متكررة: أطلق رجال يرتدون الزي العسكري البيلاروسي طلقات تحذيرية، وألحقوا أضرارا بسياج الأسلاك الشائكة المؤقت وتسللوا إلى الأراضي البولندية.
ربما في العام المقبل، سيؤمن هيكل فولاذي بارتفاع خمسة أمتار ونصف المتر مع قمة من الأسلاك الشائكة الجانب البولندي من الحدود، وهي أيضا الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. كما سيتم تزويد بعض الحواجز على الأقل مجهزة بأجهزة استشعار الحركة والكاميرات.
هفال يتحدث، حسب دوتشي فيله، عن ردود فعل طيبة من قبل البولنديين في المدينة التي يقطن فيها في انتظار والديه. كثيرون من الناس هناك يريدون مساعدة المهاجرين عند الحدود. لكن هفال لا يفهم سياسة الحكومة في بولندا. "لا أفهم كيف ينام الساسة هنا بهدوء، هم لديهم أسر أيضا". بولندا عاشت خلال الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية نفس الظروف التي تعيشها سوريا اليوم، بحسب قوله.
إلى متى يبقى هفال في انتظار والديه؟ يطرح المصدر السؤال، ويجيب الشاب السوري: "لا أعرف، بالتأكيد هناك مشاكل كبيرة بين بيلاروسيا وبولندا، لكن أولئك الناس هناك في الغابات لا ذنب لهم".