عرب لندن
هل يمكن أن تتحول محطة مترو مزدحمة ملاذا للنحل والزهور والقنافذ؟ هذا هو الرهان غير المألوف الذي أطلقه مشروع "كوميونيتي إينرجي غاردن" في لندن، ويعمل منذ عشر سنوات لإعادة تخضير الغابة العمرانية في العاصمة البريطانية.
ينتشر 34 موقعا من هذا النوع في العاصمة البريطانية، بعيدا عن أنظار العامة، بالقرب من منصات خط "أوفرغراوند" العلوي لقطارات الأنفاق، الذي كان يرتاده 365 ألف مستخدم قبل جائحة كوفيد-19.
وأوضح مدير المشروع، أغاممنون أوتيرو، لوكالة فرانس برس، أن "مشغلي السكك الحديد يحررون في معظم الأحيان مساحات كاملة على طول المسارات ويتركوها خالية من أي شكل من أشكال الحياة"، معتبرا أنه يرى فيها مكانا صالحا لتعزيز التنوع الحيوي.
منذ إطلاق المشروع عام 2011، تزايد الاهتمام بشكل مطرد بهذه المواقع التي تعمل بالطاقة الشمسية، لكنه بلغ ذروته منذ بداية الجائحة وتدابير الحجر المتتالية، إذ أقبل المزيد من المتطوعين على الاهتمام بالحدائق.
وقال أغاممنون إن مشروع "إينرجي غاردن" يهدف "إلى تعزيز قدرة المجتمعات على الصمود، وهي طريقة للتصدي لمشكلة التغير المناخي التي نشعر أمامها بالعجز".
أقام "إينرجي غاردن" أول موقع له في شمال غرب لندن، في محطة بروندسبوري بارك على خط المترو "أوفرغراوند" المخصص عموما لضواحي العاصمة، التي لا يصل إليها مترو الأنفاق السفلي.
وفي هذا الموقع، أزال المتطوعون طبقات الركام ثم أعادوا زراعة الزهور النابضة بالحياة وأشجار الفاكهة والأعشاب العطرية والشاي ومجموعة متنوعة من الخضر، ومنها البطاطا واللفت والخرشوف المقدسي.
اتخذت جايلين ميغيل قرار التطوع في فريق العمل خلال مرحلة الحجر من أجل سلامتها النفسية، على ما قالت. واضافت الشابة العشرينية لوكالة فرانس برس "أردت فقط الخروج والمساعدة". وهي الآن تريد "معرفة المزيد" حول طرق الزراعة "المستدامة". ورأت أن هذاالأمر "مهم فعلا ، لضمان حصول الناس على الأغذية العضوية". وأكدت أنها تعلم ت "الكثير خلال هذه الفترة".
وصممت هذه الحدائق التي يتولى الاعتناء بها أكثر من 300 متطوع بطريقة تتيح لها الاكتفاء الذاتي، إذ توفر الألواح الشمسية الطاقة لتشغيل خراطيم ري الحدائق، أما فائض الطاقة الكهربائية فيباع لشركات النقل لتعويض بصمتها الكربونية.
بالإضافة إلى مصادر الإيرادات هذه، تعول "إينرجي غاردن" على مساهمات الشركات والأفراد. فالمشروع الذي يدار بطريقة تعاونية، يوفر لكل عضو الحق في التدقيق على تشغيله من خلال التصويت.
كذلك ينظم المشروع ورش عمل مدرسية وبرامج تدريبية للشباب لتوعيتهم بالممارسات المستدامة.
تيرينس تهرانيان متطوع ومستثمر يزور بانتظام حديقة بروندسبوري بارك مع أولاده الصغار لتقديم المساعدة. ورأى أن هذه الحدائق "تجعل من لندن مكانا رائعا للعيش" ملاحظا أن الفكرة "تساهم في تحسين البيئة، لأن المزيد من النباتات يعني تقليل ثاني أكسيد الكربون، ويجمع الناس معا ". وأضاف "هذه أشياء مهمة لمدينة كبيرة مثل لندن، حيث لا يحدث ذلك كثيرا ".
وشدد أغاممنون أوتيرو على أهمية إقامة هذه الحدائق داخل شبكة النقل المترامية الأطراف في لندن التي وافقت هيئة إدارتها "ترانسبورت أوف لندن" رسميا على الخطط الخاصة بكل موقع.
وكانت الفكرة تتمثل في إحداث توازن مع الكميات الضخمة من غازات الدفيئة التي يتسبب بانبعاثها قطاع النقل المسؤول عن 27 في المئة من هذه الانبعاثات في بريطانيا ككل وفق أرقام عام 2019، علما أن قسما كبيرا من هذه الانبعاثات يعود إلى الحركة المرورية.
وقال أوتيرو "نريد حقا إجراء مناقشة حول من هو أكبر مستهلك للطاقة ومن هو أكبر مصدر للانبعاثات"، مبديا ارتياحه الكبير "لمشاركة الناس". وأضاف "إنها مساحتنا، علينا أن نستعيدها ونفعل بها ما نريد".