عرب لندن
مع إلغاء مؤتمرات وتراجع إيرادات إيجار غرف الطلبة، وتنظيم حصص تدريس عبر الإنترنت، تدفع الجامعات البريطانية، من أعرقها مثل أكسفورد إلى الأقل شهرة بينها، فاتورة باهظة جراء وباء كوفيد-19، وهي تخشى مستقبلا قاتما أكثر إذا ما هجرها الطلبة الأجانب.
ويقول مدير "معهد سياسات التعليم العالي" (هيبي) نيك هيلمان لوكالة فرانس برس إن "الأزمة تدفع بالجامعات البريطانية إلى وضع صعب للغاية".
وقد تسببت تدابير العزل، التي أغلقت أبواب هذه المؤسسات التربوية منذ نهاية آذار/مارس، بخسائر قاربت قيمتها 790 مليون جنيه استرليني (990 مليون دولار)، وفق هيئة "يونيفرسيتيز يو كاي" (يو كاي كاي) الممثلة للقطاع.
ويخشى أن تكون السنة الأكاديمية المقبلة أسوأ إذا ما اتخذ الطلاب الأجانب الذين تشكل أقساطهم الدراسية المرتفعة مصدرا كبيرا للإيرادات، قرارا جماعيا بعدم إكمال تحصيلهم في الجامعات البريطانية بسبب القيود على الحركة في إطار الجهود المبذولة لتطويق الوباء.
وتحذر هيئة "يو كاي كاي" من أن "الأثر المحتمل فادح". وطلبت من الحكومة مساعدة بقيمة ملياري جنيه استرليني (2,51 مليار دولار) تحت طائلة إغلاق بعض المؤسسات التربوية أو إفلاسها أو الحد بصورة كبيرة من أنشطتها. ولم تصدر الحكومة بعد أي قرار في هذا الشأن.
وفي السنة الجامعية 2018-2019، كان طالب من كل خمسة أجنبي في بريطانيا، ثاني أهم الوجهات الجامعية في العالم بعد الولايات المتحدة وفق "يو كاي كاي". وفاق عدد هؤلاء 485 ألف طالب بينهم نحو 343 ألفا من خارج بلدان الاتحاد الأوروبي خصوصا من الصين (120 ألفا و385 طالبا).
يمثل هؤلاء الطلبة الدوليون مصدرا هاما للإيرادات في الجامعات، إذ إنهم يدفعون عادة ضعف مبلغ 9250 جنيها أسترلينيا المترتب على الطلبة البريطانيين أو من مواطني الاتحاد الأوروبي (وهو مبلغ قد يرتفع بالنسبة للأوروبيين بعد البريكست).
وتقول مديرة القسم الدولي في هيئة "يو كاي كاي" فيفين ستيرن لوكالة فرانس برس إن "الطلبة الأجانب يمثلون حوالي 17 في المائة من العائدات الإجمالية في القطاع"، مع حوالي 6 مليارات جنيه استرليني يدفعونها كأقساط جامعية. ونسبة مشاركة هؤلاء أكبر بكثير في بعض الجامعات.
إلا أن تقريرا أصدرته لجنة "لندن إيكونوميكس" الاستشارية في نيسان/أبريل، لحساب نقابة التعليم العالي "يونيفرسيتي أند كولدج يونيون"، خلص إلى أن نسبة الطلبة الأجانب (من داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه) الذين سيتسجلون لسنتهم الجامعية الأولى في بريطانيا ستتراجع بواقع 47 في المائة في 2020-2021، مقارنة مع السنة الجامعية 2018-2019. كذلك ستتراجع نسبة الطلبة البريطانيين 16 في المائة.
ويهدد هذا الوضع بفقدان 30 ألف وظيفة مباشرة، إضافة إلى 32 ألف وظيفة إضافية في الاقتصاد المحلي الذي تشك ل الجامعات رافدا هاما له.
ويوضح نيك هالمان أن "هذا الأمر سيؤثر على العرض في مجال التعليم، لأن الكثير من الحصص ليست قابلة للحياة اقتصاديا إلا بسبب وجود طلاب دوليين. وهذا سيؤثر أيضا على البحوث" التي يصب جزء من أقساطهم لتمويلها.
ويرى هالمان في هذا الوضع "مفارقة" في وقت تكثف جامعات جهودها لمحاولة إيجاد علاج أو لقاح للقضاء على فيروس كورونا المستجد. وقد أعلنت جامعة أكسفورد تجميدا لعمليات التوظيف لاثني عشر شهرا. وكذلك علقت جامعة مانشستر، وهي من الأكبر في البلاد، عمليات التوظيف وقلصت رواتب إيراداتها بنسبة 20 في المائة.
وقالت رئيسة الجامعة نانسي روثويل "لا يمكننا استبعاد إلغاء وظائف" في حال تحققت التوقعات الأكثر تشاؤما والمتمثلة بتراجع نسبة الطلاب الأجانب حتى 80 في المائة ونسبة البريطانيين والأوروبيين منهم حتى 20 في المائة، ما يؤدي إلى تراجع بنسبة 25 في المائة في إيراداتها. كذلك، يجري درس بيع أصول، فضلا عن إرجاء موعد انطلاق العام الجامعي الجديد الذي يحصل عادة في الخريف.
وأشارت وزارة التربية البريطانية في بيان أرسلته لوكالة فرانس برس إلى أن الجامعات يمكنها الإفادة من التدابير الاستثنائية الموضوعة من الحكومة، بما يشمل التكفل بجزء من رواتب الشركات تفاديا لعمليات الصرف.
وتحاول فيفين ستيرن من هيئة "يو كاي كاي" استشراف نافذة أمل وسط هذه الصورة القاتمة. وتقول "لدينا فرصة تتمثل بتطوير عرض جيد جدا للتدريس الإلكتروني سيشكل مسارا مستداما"، مضيفة "هذا الأمر قد يشكل وسيلة قوية لتوسيع الإمكانات الدراسية المتاحة للناس في الجامعة".