جاد محمد – لندن

نجحت الرسامة السورية سارة شمة في أن تختط لنفسها مسارا عالميا٬من خلال معارضها في أكبر العواصم العالمية٬ آخرها معرض "العبودية الحديثة" في العاصمة البريطانية لندن٬ بالتعاون مع جامعة "كينز كوليج" العريقة٬ التي اختارت هذه الرسامة العربية لمعالجة قضية الاتجار بالنساء والتعبير عن معاناتهم.

 ولم يكن اختيار شمه من فراغ٬ فتتبع مسار الرسامة السورية٬ يكشف أنها دائما اختارت الاشتغال على المواضيع التي تهم الإنسان٬ بل جعلت من الجسم البشري موضوعا للتعبير عن المعاناة الإنسانية٬ من خلال التركيز على تفاصيل الجسد كالعيون٬وتضع سارة لمستها المتأثرة بالمدرسة السوريالية فيجد المتلقي نفسه أمام لوحات هي مزيج من الأحاسيس البشرية القوية ولواعج النفس المخفية٬ فيصاب بحالة دهشة تدعو للتأمل في بواطن العقل ومحاكاة الأفكار الواردة على اللاوعي.

كان لعرب لندن هذا اللقاء مع الرسامة التي احتست المجلة معها فنجان قهوة صباحي.

عرب لندن ) هل اكتشفت موهبة الرسم لديك في سن مبكرة؟

كنت جد صغيرة في عمر الأربع سنوات، كان لدي ميولا للرسم٬ كنت أرسم على الأرض وفي البيت٬ وأهلي أبدا لم يمنعوني وهذه الحرية منحتني التشجيع٬ لأن والدي كان محبا وعازفا للموسيقى ووالدتي كانت أستاذة علم اجتماع ودرست علم نفس الأطفال٬ وبالتالي فوجودي بين أسرة مثقفة ساعدني كثيرا.

عرب لندن ) سيستمر حبك للرسم ويترسخ ولكن متى كانت البداية الاحترافية في هذا المجال؟

بوصولي لسن 14 سنة اقتنعت أن هذا هو مساري٬ واقتنعت أنه بالرسم أستطيع أن أعبر عن كل أفكاري٬ وبدأت الدراسة في معهد أدهم إسماعيل في دمشق٬ لمدة سنتين ثم تخرجت منه٬ وبعدها كلية الفنون وهناك درست لأربع سنوات٬ وتخرجت منه٬ وانطلق مسار الممارسة.

عرب لندن ) طيلة هذا المسار الأكاديمي لتعلم الرسم من هي الشخصيات التي أثرت فيك؟

أمي وأبي أثرا في مساري بشكل كبير٬ولهما فضل كبير في نجاحي واستمراري في الرسم٬ أما على الصعيد الفني٬ فقد تأثرت بالرسام سيلفادور دالي رائد المدرسة السوريالية٬خصوصا وأنا في فترة المراهقة وكنت معجبة بمفهوم المدرسة السريالية٬ لأنها تركز على اللاوعي وعالم الأحلام وخفايا العقل.ثم هناك بيكاسو أثر في مساري٬ خصوصا فيم يتعلق بمسارة حياته٬ وكل المراحل التي مر منها تبقى جد مؤثرة وهي التي جعلت منه من أحسن الرسامين على مر التاريخ٬ أما مع بلوغي سن العشرين لم هناك شخص معين يؤثر بي٬ أصبحت الحياة هي مصدر إلهامي٬ والموسيقى والروائح.

عرب لندن ) الاشتغال على موضوع اللاوعي ومشاعر الإنسان ومفهوم الحياة ألا يشكل عبئا نفسيا عليك؟

الرسم بالنسبة لي هو حالة جد طبيعية٬ ولا أستطيع العيش من دونه٬وإذا لم أرسم يتعكر مزاجي ولا أستطيع فعل أي شيء٬ ولهذا فأنا حريصة على الرسم باستمرار مع الحفاظ على بعض الطقوس٬ومنها الاستماع للموسيقى٬ خصوصا موسيقى البلوز والصوفية من مختلف مناطق العالم لأنها تعرك الكثير من الأمور بداخلي٬ وتجعلني مرتاحة.

عرب لندن ) هل تعبر لوحاتك عن حالاتك النفسية أم أنها مستقلة الكينونة عنك؟

أكيد أن هذه اللوحات تعبر عن شيء عشته وأحسست به٬ ولكن في الوقت ذاته فهي تعبر عن بعد آخر أنا لا أعرفه٬ ويجعلني دائما في حالة قلق وجودي٬ ويدفعني لطرح المزيد من الأسئلة٬ وهذه اللوحات هي انعكاس للاوعي٬ لأن الأيدي والألوان دائما تكشف عن مكنونات النفس٬ ولهذا أنا أيضا أكون في حالة دهشة أولية عندما أنتهي من أي لوحة.

عرب لندن ) التعامل مع الألوان والفرشاة كيف يتم اختيارها؟

ليس هناك اختيارات مسبقة٬أضع جميع الألوان على اللوحة وبعدها أنطلق في العمل٬ مثلا إذا كنت أشتغل على العيون أختار الفرشاة الدقيقة للكشف عن تفاصيل العين٬ وحركة الفرشاة مرتبطة بحالتي النفسية٬ولأنني لا أشتغل في شيء له قواعد صارمة وخطة مسبقة٬ فهذا يمنحني حرية أكثر٬ وكلما تقدمت في اللوحة كلما اكتشفت أشياء جديدة٬ وأحب عندما أنتهي من اللوحة أن تفاجئني٬وإذا لم أشعر بهذا الإحساس فإنني أعتبر نفسي فشلت٬ لأنها إذا لم تفاجئني فالأكيد أنها لن تؤثر في المتلقي.

عرب لندن ) ما يحدث في سوريا والمستمر منذ سنوات هل أثر فيك نفسيا وفي أعمالك؟

عندما أتأمل في التاريخ أكتشف أن كل الشعوب عاشت مثل هذه التجربة المريرة٬ لأنه في البداية صدمنا من الذي حدث٬ وما حدث مدمر للجميع وشوهت البلاد٬ولكن أنا أحافظ على الأمل في المستقبل٬وبالفعل أثرت في أعمالي٬ لدرجة أنني خصصت معرضا لهذا الموضوع أسميته "لوحات حرب أهلية عالمية"٬وكان الموضوع مؤثرا في شخصيتي٬ في تلك الفترة كنت أعتبر أن لوحاتي التي رسمتها ليست قاسية٬ ولكن بعد ثلاث سنوات عندما أطالع هذه اللوحات أحس أنها صادمة وجد قاسية على المتلقي٬ لكن عندما تعيش حالة التأثر لا تشعر بقوة هذه اللوحات.

عرب لندن ) كيف يكون إقبال الناس على لوحاتك؟

التفاعل والإقبال يختلف من منطقة لأخرى٬مثلا بين الدول العربية والأوروبية٬ فهناك من يشعر أن لوحات الحرب قاسية٬ وهناك من يحس بها قريبة منها٬ مثلا معرض "العبودية الحديثة" في لندن٬ الذي يتحدث عن استغلال المرأة٬ هناك الكثير من الأشخاص تأثروا لدرجة البكاء٬ أما بالنسبة لي فهذه اللوحات لا تشكل ضغطا نفسيا رغم صعوبتها لأنني أعبر عنها في اللوحات ولا تبقى هذه الأحاسيس مكبوتة في داخل.

ما حدث في سوريا أثر في دواخلي بشكل كبير،لكن عندما قمت برسم لوحات تعبر عن الوضع أحسست براحة أكثر٬ وتكرر الأمر معي عندما كنت أشتغل على التجارة بالنساء٬ ففي أول لقاءاتي مع نساء ضحايا هذه الظاهرة لم أكن قادرة على النوم وراودتني أحلام مزعجة وهذا طبيعي لأنني أغوص في المواضيع التي أشتغل عليها لأفهم عمقها بعد ذلك أخرج منها قبل أن تتلبسني وأقوم برسمها٬ وهكذا تصبح تجربة في الحياة ضمن تجارب كثيرة يعيشها البشر٬ ولكن تبقى العلاقة بيني وبين اللوحة حتى وإن انتهيت من الاشتغال عليها٬ تبقى هذه العلاقة مرتبطة من خلال ردود فعل الناس٬ وربما عندما أعود لها ربما أكتشف فيها أشياء جديدة.

 

السابق تظاهرات في عدة مدن بريطانية تنديدا بصفقة القرن
التالي المساعدات تتدفق "شلالا" على طفل سوري لاجئ بكندا