جاد محمد - بيرمنغهام

في مدينة بيرمنغهام الهادئة وسط بريطانيا، التقت "عرب لندن" بأسماء شويخ أو التي باتت ملقبة ببطلة المترو، بعد موقفها البطولي للدفاع عن أسرة يهودية تعرضت لاعتداء عنصري، ولأسباب أمنية كان اللقاء خارج المنزل، لا يظهر على محيا أسماء أي ارتباك أو رهبة وهي التي وجدت نفسها بين عشية وضحاها حديث وسائل الإعلام البريطانية والعالمية، بعد انتشر مقطع لا يتعدى الدقيقتين تظهر فيه أسماء مدافعة شرسة عن أسر من أب وطفلين وجدوا أنفسهم تحت وابل من الشتائم العنصرية.

"قمت بالتدخل لأنني أولا أم ولا أقبل أن يتعرض أبنائي لاعتداء مشابه بسبب انتمائهم الديني وثانيا لأنني أؤمن بحق كل شخص في اعتناق ما شاء من معتقدات دون أن يتعرض للمضايقة"، تحكي أسماء وقد بدا اعليها شيء من الانفعال وهي تعيد ترتيب ذلك المشهد الذي شاهده الملايين عبر العالم، لتكشف أن ذلك كان مجرد جزء من كل الحادثة التي بدأت مباشرة بعد صعود أسماء والشخص المعتدي للمترو،وما إن شاهد الأخير الرجل وطفليه حتى بدأ في سبهما والحديث عن معتقدات دينية كلها تعبر عن الكراهية.

 سأوقفه مهما كان الثمن!

وتقول أسماء إنها في البداية كانت تنتظر أن يتدخل أي أحد لردع المعتدي، "في البداية حاول رجل التدخل لكن تعرض للتهديد،وبعدها تدخلت أنا لأنني شاهدت كيف أن الأطفال كانوا جد مرعوبين"، وعلى الرغم من كل محاولات المهاجم أن يسكتها تقول:" كنت مصرة على إخراسه مهما كلف الثمن"، تضيف المتحدثة التي استنكرت سلوك كثير من الأشخاص الذين تابعوا الحادثة دون أن يتدخلوا، باستثناء مصور المقطع الذي أوقف التصوير ووقف بين المعتدي والأطفال وحذره من الاقتراب منهم.

ولم يهدأ لأسماء بال إلا عندما توقف هذا الهجوم العنصري، "حينها نزلت من القطار أنا والأسرة التي تعرضت للاعتداء دون أن نتبادل الحديث"، موقف تفسره بأن كل ما حدث في تلك الدقائق المعدودة "لم يكن معهودا وتطلب الأمر بعذ الوقت لأستوعب ما حدث"، ورغم خطورة الموقف فإن السيدة البريطانية ذات الأصول الليبية لا تظهر أي تردد عند سؤالها حول تكرار ما قامت به لو وجدت نفسها في نفس الموقف "بالطبع سأقوم بنفس الموقف لأن الصمت عن مثل هذه الاعتداءات هو الذي يجعل المعتدي يتمادى في غيه".

وكان المشهد يضج بالرمزية سيدة محجبة تدافع عن أب يهودي يرتدي "الكيباه"، وتدحض سردية متطرفة يحاول شخص ظهر أنه ينتمي لطائفة تؤمن بالتفوق العرقي، وعلى الرغم من ذلك تؤكد أسماء أن ما حركها قبل أي شيء "هو الإنسانية ولم أكن أعلم أن هناك من كان يصور"، ولم يحتج الأمر سوى لساعات قليلة حتى بث المقطع الحرارة في شعاب مواقع التواصل الاجتماعي وهنا ستصبح أسماء حديث الساعة في العاصمة لندن والإعلام البريطاني.

"كانت صديقتي هي من أخبرني بأن الجميع يتحدث عني في تويتر ولم أكن أتوفر على حساب في تويتر بعدها سأتوصل بوابل من الاتصالات والرسائل التي تثني على ما قمت به"، وبابتسامة الرضى تعبر أسماء عن امتنانها لكل الدعم الذي حظيت به من الكثير من الأشخاص "مسلمين مسيحيين ويهود ومن مختلف مناطق العالم"، وبالكثير من الفخر تتحدث عن الرسائل التي وصلتها من نساء مسلمات في بريطانيا يخبرنها بأنها نموذج ملهم لهم، "وسعادتي غامرة عندما أتوصل بمثل هذه الرسائل وأتشرف أنني قمت صورة إيجابية عن المرأة المسلمة في بريطانيا والغرب عموما"، مشيرة إلى أنها كانت تحاول أن تكسر تلك الصورة النمطية عن المرأة المسلمة بأنها امرأة مغلوب على أمرها وغير قادرة على التعبير عن موقفها "على الجميع أن يعلم أن المرأة المسلمة صاحبة شخصية قوية وتستطيع التعبير عن موقفها بكل حرية وثقة في النفس".

مضايقات بسبب الحجاب

وتعي "بطلة المترو" أن السياق الحالي موسوم بارتفاع الاعتداءات العنصرية وخصوصا ضد النساء المسلمات، "أنا شخصيا تعرضت أكثر من مرة لمضايقات بسبب الحجاب وكنت دائما محبطة لأن الكثير من الناس لا يهبون لنصرتي ولكن أدعو النساء المسلمات للتعامل مع أي موقف بالحكمة المطلوبة" تقول أسماء التي دعت إلى ضرورة تغيير السلوك السلبي للناس من هجمات الكراهية "لأن أصحاب الأفكار العنصرية إذا شاهدوا أن هناك جبهة موحدة وعريضة ضد العنصرية فالأكيد سيفكرون أكثر من مرة قبل التجرؤ على الاعتداء على أي شخص".

لقاء أسماء المسلمة مع الأب اليهودي

ومن اللحظات الإنسانية التي لن تنساها أسماء هي لقاؤها بالأب الذي دافعت عنه حيث تم جمعهما في أحد البرامج التفزية البريطانية، وتروي كيف أن الرجل أظهر امتنانا منقطع النظير، لأنه وجد نفسه في موقف لا يحسد عليه ولم يجد من سند لحماية أطفاله سوى أسماء.

ولا تخفي رغبتها في أن يتم استغلال حالة التلاحم والتضامن التي أحدثتها "موقعة المترو"، للتحرك بشكل أكبر لمواجهة الاعتداءات العنصرية التي تطال أي شخص بسبب انتمائه الديني أو العرقي، وهي رغبة طموحة من سيدة أبهرت الجميع بشجاعتها.

 

السابق مسلمو بريطانيا يتعهدون بدعم من يحارب الإسلاموفوبيا
التالي "مسلمة الميترو": مستعدة للدفاع مرة أخرى عن أي مظلوم