مواقف السيارات في لندن.. تبيض ذهبا للدولة وترهق جيوب وأعصاب المواطنين
جاد محمد – لندن
ينظر كثييرون حول العالم إلى من يسكن في العاصمة البريطانية لندن، على أنه شخص محظوظ يعيش في أعرق عاصمة في العالم، لولا أن هناك الكثير من المنغصات التي ترهق نفسية اللندنيين وقد تحول يومهم إلى جحيم.
ويعد مكان ركن السيارة واحدا من أبرز تللك المنغصات، فهذه العملية تتحول إلى كابوس حقيقي في عاصمة الضباب،وما يزيد من الضغط كذلك صرامة قوانين ركن السيارة، والغرامات الباهظة على كل مخالفة حيث تبدأ بستين جنيه إسترليني، وقد تصل لآلاف الجنيهات في حال التأخر أو المماطلة.
ضغط يفوق زيارة طبيب الأسنان
وكشفت دراسة نشرتها جريدة "إفنينغ ستاندار" البريطانية أن معظم السائقين في المملكة المتحدة وحوالي الثلثين منهم في العاصمة، يؤكدون أنهم يعانون من الضغط بسبب عدم قدرتهم على العثور على مكان لركن سياراتهم، بل إن الدراسة التي أنجزتها شركة "spacehopper"، أظهرت أن أكثر من ثلثي البريطانيين يضطرون لإلغاء جولات عائلية بالسيارة بسبب الخوف من عدم إيجاد موقف للسيارات، ومن ضياع يومهم في البحث عن المكان فقط.
ولأن كثرة الضغط تولد الانفجار فقد أقر حوالي النصف من المستوجبين من طرف القائمين على الدراسة أنهم قاموا بخرق القوانين وأقفوا سياراتهم في أماكن غير مسموح الوقوف فيها.
ولإظهار حجم المعاناة التي يواجهها أصحاب السيارات في العاصمة البريطانية، فقد قال حوالي 40 في المائة من المستجوبين أنهم يفضلون تحمل آلام زيارة طبيب الأسنان أكثر من قدرتهم على تحمل الضغط الذي تسببه ندرة المواقف في بريطانيا، وذلك على الرغم من أن المملكة المتحدة تتوفر على 2.6 مليون موقف سيارات، يتم تسييىرها من طرف شركات خاصة.
وحسب الجمعية البريطانية لمواقف السيارات، فإن البريطانيين يقضون حوالي 6 دقائق يوميا بحثا عن مكان لركن سياراتهم، وهو ما يجعل من هذه التجربة الأكثر ضغطا في اليوم، أكثر من ضغط العمل نفسه بالنسبة لثلث البريطانيين، وتقول الجمعية إن نصف ساكني بريطانيا يشعرون بالغضب والحنق لعدم توفر مواقف كافية للسيارات في محيطهم، وعبرحوالي 59 في المائة عن غضبهم من السائقين الأنانيين، الذين يحتلون أكثر من مكان لسيارتهم.
كل هذه المشاعر السلبية تجعل من فكرة السياقة في العاصمة البريطانية فكرة ليست بالجيدة، وتتطلب برودة أعصاب أكثر من برود أعصاب البريطانيين أنفسهم والمعروفين بكونهم الأكثر هدوء في العالم.
ثاني أغلى مواقف في العالم
وتظهر معطيات موقع "Parkopedia"، الذي يضم في قاعدة بياناته معلومات أكثر من خمسين مليون موقف سيارات في 6 آلاف مدينة في 75 دولة عبر العالم، بأن لندن هي صاحبة ثاني أعلى أسعار لمواقف السيارات في العالم، بعد مدينة نيويورك الأمريكية أو التفاحة الضخمة كما يطلق عليها.
وحسب مقارنة بناء على معطيات نفس الموقع، فإن أسعار موافق السيارات في لندن، ارتفعت بنسبة 18 في المائة، أكثر من الزيادة السنوية في دخل الفرد في نفس المدينة، وبالمقارنة مع مدن أوروبية، فإن موقف السيارات في مدينة بوخارست الرومانية يكلف نصف جنيه استرليني، وهذا يعني أن كلفة ركن السيارة لعشرين ساعة تقريبا في بوخارست، تعادل ثمن الركن لساعة واحدة في لندن.
وتحتل بعض العواصم الأوروبية مثل أسلو وأثينا وستوكهولم، مراتب متقدمة في ترتيب أغلى مواقف السيارات في العالم، وهذا مرده لكونها تنتهج سياسة للحد من استعمال السيارات لمحاربة التلوث البيئي، أما في العاصمة لندن فالوضع مختلف تماما.
وحسب تطبيق النقل في بريطانيا، فإن منطقة إزيلتون تعتبر هي الأغلى في لندن، حيث تصل كلفة الموقف فيها إلى 545 جنيه استرليني في السنة، في المقابل تصل الكلفة في منطقة شيلسي وكينزينتون إلى 214 جنيه استرليني على الرغم من تسجيلها لأكبر تدفق للسيارات والعبربات في لندن.
وهناك الكثير من التناقضات في تحديد أسعار مواقف السيارات، فعلى سبيل المثال نجد أن منطقة ويستمنستر التي تغطي الجزء الأكبر من مركز العاصمة، تصل الكلفة السنوية للموقف فيها إلى 141، وهو امر غير منطقي ويضع أكثر من سؤال حول معايير تحديد الأسعار في عاصمة الضباب.
وبالنظر للمداخيل العالية التي باتت توفرها مواقف السيارات، فقد أصبحت الشركات تتسابق على شراء المساحات المخصصة لركن السيارات وضمها لملكياتها،وهكذا تم بيع موقف للسيارات في منطقة كيزينغتون بحوالي نصف مليون جنيه استرليني لفائدة شركة خاصة، ليصبح ثاني أغلى موقف يتم بيعه بعد آخر في مدينة نيويورك تقول بعض المعطيات إن قيمته تبلغ مليون دولار.
وتصل كلفة الساعة الواحدة في مدينة نيويورك إلى عشرين دولار في الساعة، تليها لندن بعشرة دولارات في الساعة، ثم ستوكهولم السويدية بسبعة دولار في الساعة، بينما تحتل العاصمة الفرنسية باريس المرتبة العاشرة بأربعة دولارات فقط رغم أنها العاصمة الأكثر جذبا للسياح في العالم.
دجاجة تبيض ذهبا للدولة
ارتفاع كلفة مواقف السيارات وكذلك الغرامات الباهظة التي تفرض على المخالفين توفر للدولة ولمجلس مدينة لندن تحديدا مداخيل خيالية، وصلت في سنة 2017 إلى 589 مليون جنيه استرليني في السنة،وذلك كعائدات مداخيل المواقف وما يعرف بالتذاكر وهي أوارق الغرامات التي تفرض على السيارات المخالفة لقوانين ركن السيارات، وتم تخصيص 233.8 مليون جنيه استرليني لصيانة مواقف السيارات، ودفع الضرائب ورواتب العاملين في هذا المجال.
ورغم هذه النفقات إلا أن صافي الأرباح المقدر لمجلس مدينة لندن يصل إلى 361 مليون جنيه استرليني،وهو ما يعادل أرباحا يومية قيمتها مليون جنيه استرليني، تدخل لخزائن مجلس مدينة لندن الذي يضم 33 مجلس محلي.
ويبقى مركز المدينة هو المكان الأكثر تحقيقا للمداخيل، بحوالي 70 مليون جنيه استرليني، تليه منطقة تشلسي وكينزينغتون، بمداخيل 34 مليون، وينص القانون البريطاني على جميع المجالس المحلية أن تعيد أرباح فائض مواقف السيارات إلى النفقات المخصصة لتطوير النقل المحلي، وحسب السلطات في العاصمة فإن نصف هذه الأرباح تذهب لدعم الفئات التي تستفيد من تخفضيات أو إعفاءات في النقل العمومي، كما يتم سنويا إنفاق مائة مليون جنيه استرليني في تجديد الطرقات وعلامات التشوير على الشوارع.
ويعترف مجلس المدينة بأن مواقف السيارات توفر له مداخيل جيدة، وبأنها صفقة مربحة، ذلك أن كل جنيه يتم إنفاقه في تطوير مواقف السيارات يعود على مجلس المدينة بعشرة أضعافه من المداخيل.
تم تحرير هذه الوثيقة باستخدام محرر محتوى الويب الفوري. جرب أدوات محرر هتمل عبر الإنترنت لتحويل المستندات لموقعك على الويب.