عرب لندن
تنظر محكمة صلاحيات التحقيق (IPT) البريطانية هذا الأسبوع في قضيتين نادرتين رفعهما معتقلان من سجن غوانتانامو، يتهمان فيهما جهازَي الاستخبارات البريطانية (MI5) والإيطالية (MI6) بالتواطؤ في تعذيبهما ضمن برنامج وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
وذكر موقع صحيفة "الغارديان" The Guardian أن هذه المحاكمة، التي تستمر لأربعة أيام، تأتي في ظل تصاعد الضغوط على الحكومة البريطانية للكشف عن دورها في برنامج التعذيب المثير للجدل، الذي جرى ضمن شبكة السجون السرية المعروفة بـ"المواقع السوداء". وتُعيد هذه القضية فتح ملف طال انتظاره بشأن الانتهاكات التي تعرض لها معتقلو "القيمة العالية" لدى وكالة المخابرات المركزية.
ورفع الدعوى كل من مصطفى الهوساوي، المتهم بمساعدة خاطفي الطائرات في هجمات 11 سبتمبر، وعبد الرحيم الناشري، المتهم بالتخطيط لتفجير سفينة حربية أمريكية عام 2000. وقد اعتقلتهما وكالة المخابرات المركزية في أوائل الألفية، ونقلا بين عدة سجون سرية، حيث تعرضا لتعذيب وحشي ممنهج.
ونُقل المعتقلان إلى غوانتانامو عام 2006، حيث لا يزالان محتجزين ويواجهان تهماً تصل عقوبتها إلى الإعدام، دون بدء محاكمتهما العسكرية حتى الآن. وأبلغ محامو الدفاع هيئة منع التعذيب الدولية (IPT) بوجود أدلة موثوقة تشير إلى أن وكالات الاستخبارات البريطانية شجعت وسهلت وشاركت بشكل غير قانوني في تعذيبهما.
وتجري المحكمة تحقيقها بسرية تامة، وتمتلك صلاحيات استثنائية للحصول على معلومات سرية من أجهزة الاستخبارات، ما قد يجبر الحكومة على مواجهة أسئلة قانونية مصيرية حول حدود تواطؤها في جرائم التعذيب.
ويقول كريس إسديل، كبير مستشاري منظمة "ريدريس" التي تمثل الهوساوي: "هذا التدقيق القضائي هو الأول من نوعه في تاريخ بريطانيا، ومن شأنه أن يكشف مدى التورط الحقيقي للمخابرات البريطانية."
وكان رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون قد أطلق تحقيقاً عاماً في 2010 لمعالجة هذه الادعاءات، معترفًا بأن التأخير في الإجابة عليها "يلحق الضرر بسمعة البلاد"، لكن التحقيق أُوقف بعد سنوات بسبب ضغوط سياسية وعراقيل من داخل أجهزة المخابرات.
وتُظهر وثائق لجنة الاستخبارات والأمن البرلمانية التي نُشرت عام 2018، تورط ضباط بريطانيين في "أنشطة لا تغتفر"، بما في ذلك المساعدة في استجواب معتقلين عذبوا في سجون أمريكية، ما أعاد تغذية الدعوى الحالية أمام المحكمة.
وكشف تحقيق حديث أن وكالة المخابرات المركزية أرسلت في 2003 برقية توجيهية للضغط على الهوساوي أثناء احتجازه في سجن سري بأفغانستان، بهدف استخلاص معلومات عن مخططات إرهابية في بريطانيا. البرقية التي رفعت عنها السرية في 2017، أثارت تساؤلات عن مدى مساهمة المخابرات البريطانية في صياغة الأسئلة التي استخدمت لتعذيبه.
ورفضت الحكومة البريطانية التعليق على هذه الادعاءات، مكتفية بالقول إنها "لا تؤكد أو تنفي" مزاعم تورط أجهزة الاستخبارات.
وتستمر المحاكمة في تسليط الضوء على ملف من أخطر ملفات حقوق الإنسان في التاريخ الحديث، وتطرح تساؤلات حيوية عن مسؤولية الحكومات في احترام القانون الدولي وحماية حقوق المعتقلين.