ابتسام كريم - مانشستر

 الخطوة الأولى نحو عالم آخر مبهم وضبابي..نتخذها على الأغلب مجبرين لا أبطالا، نخطوها ونحن متيقنين أن ثمة صعوبات أخرى ربما من صنع أوهاما هي في داخلنا ليس إلا.

عندما نغادر أوطاننا نترك خلفنا أبوابا أغلقناها فيها الكثير من العثرات والانكسارات، وربما هناك عثرات أخرى تكون في استقبالنا في أرض الغربة واللغة هي الأولى بلا منازع .

 اللغة والأنتماء

 فاللغة لدى البعض مشكلة شائكة لأن على أساسها ستتخذ خطوات لاحقة تكون خريطة حياتنا والاستقرار من ترحال منهك. والجالية العربية في مدينة مانشستر شمالي غربي بريطانيا، حالها مثل كل الجاليات التي  تنشد استقرارا كانت قد فقدته في أوطانها .

يبلغ تعداد سكان مانشستر ثاني أكبر مدن المملكة المتحدة 545500 نسمة. 2%هي نسبة الجالية العربية ومن بلدان عربية عديدة، اليمن، السودان، سوريا، العراق وغيرها. والعرب في مانشستر ينقسمون بين من يسعى إلى تعلم اللغة الإنكليزية والتحدث بها لأن فيما بعد سيحدد انتماءه إلى هذا البلد، في الوقت الذي يقلل من أهميتها البعض الآخر ويمارسون حياتهم غير آبهين إذا ما كانت لغتهم تعينهم في تعاملاتهم اليومية المعتادة بل لا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن منافذ تؤهلهم في تطوير مهارات اللغة لديهم. كما هو الحال مع السيدة أم فهد ..فتلك المرأة الاربعينية لا تتفق معنا ولاتجد أن ثمة ضرورة لتعلم اللغة فذلك آخر همها فما نفعها _على حد قولها - اذا لم تكن تنوي مسبقا استكمال دراستها أو العمل لذا ليس في قاموسها سوى بضع كلمات حفظتها عن ظهر قلب تستطيع مجاراة الآخرين والرد عليهم إذا ما استلزم الأمر.

لكن الأمر يختلف مع دلول الحائز على بكالوريوس في اللغة الإنكليزية من إحدى جامعات فلسطين والذي وجد صعوبة في التأقلم مع محيطه الجديد، ولم تكن شهادته الجامعية كافية للانخراط والتكيف. هو يستذكر أيامه الأولى بألم قائلا: في بادئ الأمر كانت نظرتي قاتمة. أشعر بالإحباط إلا أني استجمعت شتات نفسي وقررت أن ابدأ وأضع قدمي على  أول الطريق وبعد ثلاثة أشهر حصدت نجاح إصراري وتجاوزت حاجز اللغة على خلاف بعض أصدقائي فمازال البعض في مكانه منه لم يتقدم خطوة إلى الإمام.

اما جهاد من سوريا فيرى أن المشكلة ليس في اللغة ولا في المؤسسات التي تدرسها بل أن المشكلة فينا. وهو  يتكلم هنا بالمطلق مبررا ذلك قائلا: اإننا لا نستطيع تخطي هذه الدائرة من الاصدقاء والأقرباء وكل المحيطين بنا ممن يتكلم لغتك الأم فكيف بعد ذلك أن نجيد تكلم اللغة الإنكليزية بشكلها الصحيح.

أنا أعتقد أننا لو بقينا ندرس هذه اللغة لسنوات قادمة فلن نتكلم بطلاقة ذلك أننا لا نتجرأ على الانخراط في المجتمع البريطاني ومازالت لدينا مخاوف من أن نتقدم خطوة باتجاهم خوفا من الرفض فضلا عن ذلك أننا نعتمد  على المؤسسات التعليمية فقط ولا نبحث عن منافذ اخرى لتطوير قدراتنا اللغوية ونتذرع دائما بمشاغل الحياة والظروف.

المعرفة لاتخضع لقوانين الزمان والمكان هي حاجة انسانية تزداد عمقا كلما طرأت مستجدات وضرورات في حياتنا لاسيما أن مساحاتها شاسعة ومتشعبة وهي تفتح أبوابها لكل من يطرقها سائلا المزيد. وهذا هو حال إسراء فهي مازالت تنتظر بفارغ الصبر احدى مؤسسات تعلم اللغة الإنكليزية لقبولها في أروقتها لتتخلص بعدها من هواجسها فهي تشعر بأن لا حول لها ولا قوة وقد سئمت من كونها تائهة وسط هذا المجتمع وتطلب مساعدة الأصقاء في ترجمة هذه الوثيقة أو تلك أو الاستعانة بمترجم إذا ما تطلب الأمر الذهاب إلى الطبيب مما يسبب لها الكثير من الإحراج.

أروقة لتعليم اللغة

     في مانشستر هناك عدد لابأس به من المعاهد والمدارس وحتى المنظمات الإنسانية التي تفتح أبوابها لكل المقيمين العرب وحثهم على تعلم اللغة والأخذ بأيديهم إلى الطرق الصحيحة في التعبير عن أنفسهم كي يزج بهم في ما بعد بسوق العمل ومن بينها مانشستر كولج بكل فروعها، وهناك قسم خاص للأعمار التي تخطت سن الثامنة عشرة وفي هذه المؤسسة التعليمية العريقة,و كادر تدريسي له باع طويل وهو في تماس مباشر مع كل الجاليات لاسيما العربية.

"عرب لندن " التقت بالأستاذة موريين إدوارد  وتحدثت من واقع تجربتها الطويلة في تدريس اللغة لغير المتكلمين بها.

وترى الأستاذة الانجليزية بأن تعلم اللغة الإنكليزية أو أية لغة هي رغبة تسبقها إرادة ويجب أن يسعى المقيم في بريطانيا إلى كل السبل الصحيحة وسؤال ذويه أو أصدقائه لطلب المساعدة في تزويدهم بكلمات جديدة او القراءة المستمرة من خلال زيارة المكتبة بين وقت وآخر . وتؤكد موريين أن الدراسة الأكاديمية ليست كافية للذين يريدون المضي قدما في تأسيس حياة جديدة في المملكة المتحدة،لذا عليهم أن يفكروا جديا في تكوين علاقات مع المتحدثين باللغة الإنكليزية وأن يحيطوا أنفسهم بهذه اللغة دوما حتى لا ينسوا مفرداتها أو قواعدها.

 والخلاصة تكمن ربما في أن اللغة تحتاج لمن يتنفسها قبل أن يتكلمها فليس المهم أن تكون شكسبيريا ولكن المهم أن تدرس خطواتك وتكمل طريقك نحو تأسيس صحيح للحياة التي تنشدها.

 

 

السابق اللغة وتحدي الاندماج.. عرب لندن وتجارب الواصلين الجدد لمانشستر
التالي غضب غير مسبوق..مصريو بريطانيا للخطوط البريطانية: "بوزتوا اجازاتنا"