إعداد : عرب لندن
أن تمنح الشرطة السويدية ترخيصا لمواطن سويدي بأن يحرق القرآن الكريم، في مكان عام، تطبيقا منها لحكم استئنافي، ويقتل شرطي فرنسي شابا من أصل جزائري، فقط لأنه قرر ألا يتوقف بسيارته، كما أمر بذلك، وأن يساء لنائبة مسلمة في كونتيكيت، حد تعريضها للضرب، ويقر تقرير، للجنة ألمانية مستقلة، بأن المسلمين يعانون الأمرين في ألمانيا، ويتفاحش الخطاب اليميني المتطرف في التعرض للإسلام، ونبي الإسلام، بالسوء، فهذا دليل مادي ملموس على أن الأمر لا يتعلق بحرية في التعبير واختلاف في الرأي، بل بإساءة ممنهجة للدين الإسلامي، وللمسلمين من أبناء الجالية في الغرب، على خلفية ما يعرف بالإسلاموفوبيا المزعومة.
المسلمون في الغرب يعانون الكراهية والتحيز..
شكل الأربعاء، الخامس عشر من آذار/مارس عام 2023، أول يوم عالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا، بعد أن أقرته الأمم المتحدة قبل عام من ذلك، ليكون يوما يهدف إلى زيادة الوعي بتلك الظاهرة، التي باتت متنامية بصورة كبيرة خلال الأعوام الماضية، خاصة في المجتمعات الغربية، وساهمت عدة عوامل في زيادتها وتأجيجها. وكان أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، البالغ عددهم 193 عضوا، قد تبنوا في 15 آذار/ مارس 2022، قرارا اقترحته باكستان يجعل 15 آذار/مارس من كل عام، يوما لمحاربة الإسلاموفوبيا، ويدعو نص القرار الذي صدر حينئذ، إلى "توسيع الجهود، الدولية لخلق حوار عالمي، من شأنه أن يشجع التسامح والسلام، ويركز على احترام حقوق الإنسان وتنوع الأديان والمعتقدات".
غير أن الكراهية لكل ما هو إسلامي زادت، وتفاقمت، حتى إن التقرير الصادر، قبل أيام، في ألمانيا، عن لجنة مستقلة، جاء صادما. فقد اعترفت اللجنة أن ما يعانيه المسلمون من تمييز متزايد في المجتمع الألماني يبرر اتخاذ إجراءات متضافرة لمكافحة الكراهية والتحيز ضدهم. واعتبرت اللجنة المستقلة، التي كلفتها الحكومة هذه المهمة، أن المسلمين "هم إحدى الأقليات الأكثر تعرضا للضغوط" في ألمانيا، وقد أصدرت توصيات للقادة السياسيين والشرطة والمدرسين ووسائل الإعلام والقطاعات الترفيهية. وأشارت اللجنة المؤلفة من 12 عضوا إلى بيانات تظهر أن نحو نصف الألمان يقبلون تصريحات مناهضة للمسلمين، ما "يوفر أرضا خصبة خطيرة" للجماعات المتطرفة.
في سياق متصل، طلبت الامم المتحدة، يوم الجمعة الأخير، من فرنسا معالجة مشاكل العنصرية والتمييز العنصري في صفوف قوات الأمن بعد ثلاثة أيام على إقدام شرطي على قتل مراهق بالرصاص. فقد أعاد مقتل نائل (17 عاما) أثناء عملية تدقيق مروري إحياء الجدل بشأن قوات الأمن والعنصرية في ضواحي فرنسا التي يقطنها أصحاب الدخل المحدود المتحدرين من مختلف العرقيات.
وقالت رافينا شمداساني، الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان خلال مؤتمر صحافي في جنيف، "نشعر بالقلق حيال مقتل شخص يبلغ من العمر 17 عاما ومتحدر من شمال إفريقيا على أيدي الشرطة في فرنسا الثلاثاء". وتابعت "نأخذ علما بأنه بوشر التحقيق في عملية قتل متعمدة مفترضة.. حان الوقت ليعالج هذا البلد بجدية مشاكل العنصرية والتمييز العنصري المتجذرة في صفوف قوات الأمن". وقالت شمداساني "نشدد أيضا على أهمية التجمع السلمي". وأضافت "ندعو السلطات على الدوام لضمان أن تحترم الشرطة لدى استخدامها القوة مبادئ المساواة والضرورة والتناسب وعدم التمييز والحذر والمساءلة، لدى تعاملها مع العناصر المسببة للعنف خلال التظاهرات". وتابعت "يجب التحقيق سريعا في أي اتهامات بالاستخدام غير المتناسب للقوة".
وفي بريطانيا، ليس الوضع بأقل سوءا منه في ألمانيا وفرنسا، رغم تلك الأضواء التي اشتعلت في رمضان الكريم، بالعاصمة لندن، احتفاء بالشهر الفضيل. فقد جاء في تقرير لشبكة “سكاي نيوز” البريطانية، السبت 25 من شباط 2023، أن محاضر الاجتماعات التي حصلت عليها مجموعة “Hope not Hate” المناهضة للعنصرية، (أثبتت) أن منظمة “Equal and Free”، تلقت تمويلًا من منظمة أمريكية يديرها مبشرون إنجيليون. وتشير الوثائق المسربة إلى أن منظمة “Equal and Free” جرى إنشاؤها بعد مشروع قانون قدمته البارونة (لقب أعضاء مجلس اللوردات)، كوكس، يركز على المساواة في محاكم التحكيم الإسلامية، وتعد هذه المنظمة “قناة” تلقت كوكس عبرها الأموال.
كما كشفت الوثائق عن اجتماعات دورية لكوكس مع ناشطين من اليمين المتطرف منذ أكثر من عقد، تحت اسم “مجموعة القضايا الجديدة”. وقال الرئيس التنفيذي للمنظمة، التي حصلت على الوثائق المسربة “Hope not Hate”، نيك لوليس، عن المجموعة، إن “الجماعة لا تهتم فقط بالإسلام الراديكالي والسياسي، لكنها تعتبر الإسلام في حد ذاته خطرًا على الغرب، إنهم ينظرون إلى الإسلام على أنه يتعارض مع الثقافة والحضارة الغربية”.
وفي دفاعها عن المجموعة قالت البارونة كوكس، لشبكة “سكاي نيوز”، إن “مجموعة (القضايا الجديدة) عبارة عن اجتماع لأشخاص يدعمون أهداف مشروع قانون العضو الخاص بها (تقصد نفسها)، والذي من شأنه توفير الحماية للنساء المسلمات اللواتي لا يتم تسجيل زواجهن الشرعي بشكل قانوني”. وأضافت كوكس أنها تحظى “بدعم قوي من النساء المسلمات”، بما في ذلك المجموعة “الاستشارية للمرأة المسلمة”.
وكان الكاتب البريطاني محمد كوزبار قال إن الحاجة ماسة إلى بذل جهود إضافية للقضاء على الإسلاموفوبيا في بريطانيا، وقال إن كل المستويات في المجتمع البريطاني أصبحت تتعامل معها كأنها ظاهرة "عادية للغاية". وأضاف كوزبار، في مقال له نشر بموقع "ميدل إيست آي" (Middle East Eye)- أن تقريرا لوزارة الداخلية أشار إلى أن نحو نصف عدد جرائم الكراهية التي سُجلت في بريطانيا كانت ضد المسلمين، حيث وصلت إلى 42% من مجموعة 3000 حالة مسجلة لدى الشرطة.
وأوضح كوزبار أن هذه الأرقام الكبيرة تعني أن أفراد المجتمع المسلم -أطفالا ونساء ورجالا- باتوا يخشون على حياتهم أثناء خروجهم من منازلهم أو داخل مدارسهم، حيث يتعرض الأطفال المسلمون للتنمر داخل المدارس ويُتهمون بالإرهاب، ويطالبون "بالعودة إلى بلادهم".
الإسلاموفوبيا .. هكذا تعرفها هيئة الأمم المتحدة
يقول موقع الأمم المتحدة على الإنترنت، في معرض تعريفه للظاهرة إن "كره الإسلام أو كراهية الإسلام أو ما يعرف بـ "الإسلاموفوبيا"، هو الخوف من المسلمين والتحيز ضدهم، والتحامل عليهم، بما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء، والتعصب بالتهديد وبالمضايقة، وبالإساءة وبالتحريض، وبالترهيب للمسلمين ولغير المسلمين، سواء في أرض الواقع أو على الإنترنت، وتستهدف تلك الكراهية،- بدافع من العداء المؤسسي والأيديولوجي والسياسي والديني الذي يتجاوز تلك الأطر إلى عنصرية بنيوية وثقافية - الرموز والعلامات الدالة على أن الفرد المستهدف مسلما."
ووفقا لموقع الأمم المتحدة أيضا، فإن تقريرا صدر مؤخرا عن المقرر الخاص للأمم المتحدة، المعني بحرية الدين أو المعتقد، أشار إلى أن الشك والتمييز والكراهية الصريحة تجاه المسلمين وصلت إلى أبعاد وبائية.
ويشير الموقع، إلى أنه وفي الدول التي يمثل فيها المسلمون أقلية، فإنهم غالبا ما يتعرضون للتمييز، في الحصول على السلع والخدمات، وفي العثور على عمل وفي التعليم. كما أنهم يحرمون في بعض الدول من الجنسية، أو من وضع الهجرة القانوني، بسبب تصورات معادية للأجانب، تفيد بأن المسلمين يمثلون تهديدات للأمن القومي والإرهاب، بينما تتعرض النساء المسلمات إلى الجانب الأكبر من جرائم الكراهية في تلك المجتمعات، بفعل لباسهن الذي يشير إلى عقيدتهن، وفق ما تقوله المادة المنشورة على موقع الأمم المتحدة.
ويوم الجمعة 10 آذار/مارس، وخلال فعالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، لإحياء اليوم العالمي الأول لمكافحة الإسلاموفوفيا، وصف أنطونيو غوتيريش الأمين العام للمنظمة الدولية، كراهية الإسلام بأنها سم، وقال إن مسلمي العالم، الذين يبلغ عددهم نحو ملياري نسمة، هم تجسيد للإنسانية بكل تنوعها، مشيرا إلى أنهم ينحدرون من كل ركن من أركان المعمورة، لكنهم يواجهون في كثير من الأحيان، تعصبا وتحيزا لا لسبب سوى عقيدتهم. وأضاف غوتيريش أن رسالة السلام والتعاطف، والتراحم التي جاء بها الإسلام، منذ أكثر من 1400 عام، تشكل إلهاما للناس حول العالم، مشيرا إلى أن كلمة إسلام ذاتها مشتقة من الجذر نفسه لكلمة سلام.
من جانبه أكد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى، حسين إبراهيم طه، في كلمة له عبر الفيديو لفعالية الجمعية العامة للأمم المتحدة، على ضرورة عدم إفساح أي مجال للكراهية الدينية بالمجتمعات، داعيا جميع البلدان والمنظمات الدولية والإقليمية إلى الاحتفال بيوم 15 مارس يوما عالميا لمكافحة الإسلاموفوبيا.
تساؤل قائم وحالة متصاعدة للكراهية.. ما السبب؟
ويبقى التساؤل قائما، بعد بدء الإحتفال بهذا اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا، عن إمكانية أن يسهم اليوم في رفع وعي شعوب العالم خاصة الغربية منها، بالجوانب المضيئة للإسلام، في وقت تبدو فيه الظاهرة في ازدياد وفق ما كشفت عنه تنسيقية محاربة الإسلاموفوبيا في أوروبا، مؤخرا إذ تحدثت عن أرقام صادمة، في تقريرها السنوي الذي يتعلق بانتشار ظاهرة كراهية الإسلام، في مختلف الدول الأوروبية عامة وفرنسا خاصة.
وكان السياسي السويدي- الدنماركي، المتطرف راسموس بالودان، قد أعاد قضية "الإسلاموفوبيا" في أوروبا، إلى الواجهة وبقوة وأثار مخاوف الجاليات العربية والمسلمة في السويد، وفي أوربا بشكل عام، عندما أقدم مجددا على حرق نسخة من القرآن الكريم يوم السبت 21 كانون الثاني/ يناير الماضي، أمام السفارة التركية، بالعاصمة السويدية ستوكهولم، وهو ما أدى إلى موجة غضب من قبل العديد من المسلمين في أنحاء العالم ومن العديد من الناشطين من غير المسلمين في أوربا على حد سواء.
ويعتبر العديد من المراقبين، أن قوى اليمين المتطرف في أوروبا، والتي شهدت صعودا سياسيا على مدى السنوات الماضية، تعمل على تغذية نزعة الخوف من المسلمين والإسلام في المجتمعات الأوربية، بهدف الحصول على مكاسب سياسية، تتمثل في زيادة عدد الأصوات التي تحصدها عبرصناديق الانتخاب، في طريق وصولها للسلطة، وهي تستغل في خطابها الشعبوي ذلك، حالة الركود الاقتصادي، والأزمات التي تعاني منها العديد من الدول الأوربية، بما يكسب خطابها زخما لدى فئات واسعة في المجتمع.
هل من حل للإسلاموفوبيا؟ هل من نهاية للكراهية؟
في كتابها "الإسلام وسياسات الإمبراطورية"، تقول ديبا كومار أستاذة الصحافة والإعلام بجامعة روتجرز: "إن النخب الحاكمة في أوروبا عملت على تشكيل صورة الإسلام كعدو لتحقيق أهداف سياسية، لذلك قامت هذه النخب بإخفاء الحقائق عن فضل الحضارة الإسلامية على المعرفة الإنسانية، وقامت بإثارة مشاعر المسيحيين الدينية لشن الحروب الصليبية، ثم قامت باستخدام المستشرقين -الذين تصفهم ديبا كومار بأنهم وكلاء الاستعمار- في تشويه صورة الإسلام لتمهيد الطريق لسيطرة أوروبا على العالم الإسلامي".
وفي كتابه "نحو عالم أكثر عدلا"، حذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أن "رهاب الإسلام" (الإسلاموفوبيا) تحول إلى قضية أمن عالمي مهمة جدا بقدر أهمية التهديدات الإرهابية، وربما ينجم عن ذلك الاستمرار في تجاهل هذه المشكلة -في المستقبل القريب- موجة إرهاب جديدة يصعب علينا ضبطها، ولا يمكننا النظر إلى ظاهرة الإسلاموفوبيا على أنها شعور نفسي قائم على الخوف، فما نواجهه حقا هو معاداة للإسلام ومناهضة له.
لكن هل يمكن أن تدمر الإسلاموفوبيا تماسك المجتمعات الغربية! يجيب الرئيس رجب طيب أردوغان: "إن محاولات ربط الإرهاب بالإسلام عملية خطيرة، وصلت إلى أبعاد وخيمة يمكن أن تهدد نسيج المجتمعات الغربية".
إن الحل، وبحسب تتبع طويل للظاهرة، لن يأتي من المسلمين وبخاصة أبناء الجاليات في الغرب، على اعتبار أنهم ليسوا أصل المشكلة، بل من نقد ذاتي صريح من الغرب لنفسه؛ ثقافته ونظرته الاستعلائية، وقوانينه، لاسيما وأن هذا الغرب لا يمكنه أن يعيش بعيدا عن واقعه، الذي يشكل المسلمون جزءا من حقيقته، ولا مناص من التقدم نحو الأمام بهذا الواقع، بما فيه تلك الحقيقة، وهي الحقيقة التي تغنيه وتطوره، وليس العكس.