عرب لندن- لندن

 "يوم صرخ السوريون بعد صمت طويل، بعد صمت دام نصف قرن كلمة حرية، يوم رسموها على جدران درعا ودوما وبانياس ودمشق، يوم طيروا هذه الشعار على شكل بالونات في سماء دمشق، يوم وزعوها ورودا على جنود بشارالأسد،لم يكونوا يعرفون وقتها أن ثاني أكبر قوة في العالم ستحشد طائراتها وأساطيلها وجنودها لتأتي لتحارب هذا الحلم، لم يصدقوا كلام أنصار الأسد بأن الكل سيرحل ويبقى الأسد".

 بهذه الكلمات افتتح الإعلامي السوري وائل التميمي الندوة الشهرية لمنتدى التفكير العربي بلندن " مآلات الثورة السورية" والتي أدارها بحضور حشد كبير من المثقفين والناشطين السوريين والعرب المقيمين بلندن.

وقدم كل من الدكتور برهان غليون المفكر السوري وأول رئيس للمجلس الوطني المعارض ،والدكتور جلبير الأشقر الأستاذ بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن تشخيصا لحال الثورة السورية ومآلاتها.

 مسار ثوري عربي طويل

واعتبر الدكتور غليون أن ما يجري في العالم العربي هو مسار ثوري طويل ومتجدد ، تكمن أسبابه في فشل النظم العربية التي حكمت المنطقة العربية في استيعاب الثورة الصناعية إذ حول ذلك الفشل الدول العربية كلها لدول ريعية، وفاقم من أزمات البطالة. والسبب الثاني بحسب غليون هو الفشل في الثورة السياسية، حيث وفي لحظة تاريخية أصبح الشعب مصدر السلطة في العالم في القرن الثامن عشر والتاسع عشر لكن بقيت دولنا متخلفة، فالدولة الحديثة قوة هائلة لأن لديها جيش وأجهزة، وإذا لم تكن تحت اشراف الشعب فستكون أداة لاستعباده، وفي العالم العربي تحولت بحسب الدكتور غليون الدولة لأداة للاستعباد في ظل عدم وجود أمة، وتتظاهر الشعوب اليوم لتقول أنها ليست في دولة للشعب وإنما في دول يملكها حكامها.

والنقطة الثالثة هي الثورة الإنسانية، لذا يصح وفق العوامل أعلاه اعتبار الثورة بأن الحراك العربي المتواصل هو رد فعل على كل تلك الإخفاقات والإحباطات، معبرا عن اعتقاده بأن العالم العربي حي ومتوقد ولأول مرة يدفع بنفسه نحو المستقبل.

 الفرق بين المشرق والمغرب وسوريا مثالا

وفي هذا السياق عبر الدكتور غليون عن رأيه بأن من حول الثورة السلمية في سوريا إلى حرب وكارثة بشرية نادرة في التاريخ هو التقاء أربعة عوامل مع بعضها البعض: الأول هو نظام حكم عبارة عن عصابة بالمعنى الحرفي للكلمة، ليس نظاما سياسيا بل نظام يترصد الشعب ويحضر منذ ٤٠ سنة وينظم أدوات العنف وهو نظام في حالة حرب مع الشعب، بالمعتقلات والمخابرات، وجيش يتخندق حول المدن، وعندما قام الشعب لم يكن لدى النظام حدودا للعنف، وبدأ مباشرة بممارسة القتل والقنص والقصف.

والعامل الثاني بحسب قراءة المفكر السوري للمشهد هو أن النظام السوري وعندما واجه الشعب وجد إلى جانبه نظاما آخر لا يقل عنه استهتارا بحياة الناس بما فيه شعبه، فالنظام الإيراني ضحى بنصف مليون طفل وفقا لغليون من أجل فتح طريق في حقول الألغام، وهو نظام قريب جدا وشبيه جدا لنظام الأسد، وهدفه أن يصبح إمبراطورية عظمى وهذا النظام استطاع لعب دور لأن الأمريكيين في حربهم على العراق وتدمير العرق في عام ١٩٩١ وثم ٢٠٠٣ فتحوا له الطريق لتحقيق أحلامه وتحقيق ما يسمونه" الهلال الشيعي"، وانهيار التوازنات الإقليمية لصالح إيران.

 والعامل الثالث: هي أن الثورة جاءت في وقت استعادة الحرب الباردة زخمها، وأن الروس كانوا مزعوجين جدا من الأمريكيين، وأدركوا أن الأمريكيين بدأوا الانسحاب من المنطقة جراء هزائمهم المتتالية، وبالتالي وضعوا كل قواهم في سوريا.

واعتبر الدكتور غليون هشاشة المجتمع المدني السوري، وتفككه هي عامل رابع في فهم أسباب ما انتهت له الحالة السورية، وتلك الهشاشة تعني عدم وجود تنظيم على مستوى المجتمع " جمعيات، أحزاب، رجال دين..الخ"، داعيا السوريين إلى توحيد شتاتهم.

من جهته قال محمد أمين رئيس منتدى التفكير العربي بأن انعقاد هذه الندوة يأتي في سياق سعي المنتدى لفهم وتشخيص مآلات ثورات الربيع العربي، والتحول الديمقراطي في الدول العربية التي شهدت انتفاضات شعبية.وعن أسباب إفراد المنتدى لندوة للأزمة السورية قال أمين بأن اختيار الثورة السورية في ندوة المنتدى في أكتوبر جاء جراء تحول الأزمة السورية بشكل أو بآخر لقضية مغيبة عن أجندات الإعلام العربي والدولي، واقتصار التغطيات الإعلامية لما يجري في سوريا على الصراع الإقليمي والدولي حولها، فيما لا يتم الإجابة عن سؤال أساسي ما هو مصير الثورة؟ وماذا تبقى منها؟ وكيف سرق حلم السوريين؟ وما تأثير الموجة الجديدة من الثورات والاحتجاجات العابرة للطوائف في دول عديدة ومنها المجاور لسوريا على إعادة استنهاض زخم الانتفاض الشعبي من جديد في سياق رؤى وطنية موحدة.

دول تملكها عائلات

 من جهته عبر الدكتور جلبير الأشقر الأستاذ بمعهد الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن عن اعتقاده بأن السبب العميق للانفجار في العالم العربي هو اقتصادي اجتماعي يتجلى في كون المنطقة العربية كانت خلال العقود السابقة للانفجار تعاني معدلات نمو اقتصادي تعد الأكثر انخفاضا مقارنة بقارتي آسيا وأفريقيا، وكان لها الرقم القياسي في " البطالة" دورا أساسيا في الانفجارات الشعبية.

ووصف الأشقر الدول العربية بأنها دول تملكها عائلات تتصرف بالدولة كملك خاص، وتحول الأجهزة المسلحة لحرس عائلي، سواء نظم جمهورية أم ملكية.

وخلص الأكاديمي إلى أن ما جرى في ٢٠١١م كان بداية لصيرورة ثورية طويلة الأمد، معتبرا أن المسألة الأساسية هي طبيعة النظام الاجتماعي والاقتصادي، فلا يمكن أن تكون القوى الحاملة للتغيير لديها برامج لا تختلف عن برامج النظم الحاكمة.

 وفيما يتعلق بسوريا، قال الأشقر أن النظام السوري يتميز بدرجة من الفضاعة والإجرام، لكن في نفس الوقت سوف نجد مثلها على امتداد العالم العربي عندما يهدد النظام، والأسوأ برأيه موجود في النظم الوراثية.

 وقارن الأشقر أن هذه النظم لن ترحل بشكل سلمي، ستقاتل حتى آخر جندي، وبالتالي كان وهما كبيرا التخيل في بداية الثورة السورية بأنه يمكن أن يحصل في سوريا ما حصل في تونس أو مصر، فالحالة المصرية الرئيس هناك هو نتاج للمؤسسة العسكرية وليس العكس، أما في حالات الأنظمة الوراثية فلا يمكن أن يحدث هذا أبدا فتلك النظم تمسك بالنظام عبر الطائفة والقبيلة والعائلة، وبالتالي فهذه العملية ينبغي أن تكون حاضرة.

 يذكر أن منتدى التفكير العربي هو منتدى فكري سياسي يعنى بالبحث في القضايا العربية، والتحولات التي تشهدها الساحات العربية المختلفة، خاصة تلك التي شهدت ثورات ومآلات التحول الديمقراطي فيها.

 وتأسس المنتدى بلندن في مارس- ٢٠١٩،ويقوم عليه مجموعة من الصحفيين والناشطين العرب المقيمين في بريطانيا، ويرفع شعار: التفكير الحر حق لكل مواطن عربي.

 وأصدر المنتدى عددا من الكتب منها : العرب وإسرائيل : مخاطر التطبيع والمطبعين.

السابق "الشيوخ الفرنسي" يقر مشروع قانون يحظر "حجاب الأمهات"
التالي حادث بايون.. ماكرون يدين الاعتداء على مسجد وجرح شخصين