حازم المنجد - عرب لندن
 

في سياق التحولات التاريخية والمصيرية التي تشهدها المنطقة العربية إثر انتصار الثورة السورية على نظام المجرم بشار الأسد، الذي تزامن بعد أسابيع قليلة مع إعلان اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في قطاع غزة وعودة سكانه المهجرين إلى مناطق الشمال، مجسدًا صورة الصمود الإعجازي والبطولي لدى الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة، وكان محط دهشة وإذهال لدى العدو قبل الصديق، استضاف المركز المغاربي للبحوث والتنمية الرئيس التونسي السابق وأحد أبرز الآباء المؤسسين والمنظرين لفكرة الربيع العربي، الدكتور المنصف المرزوقي، وذلك خلال ندوة حوارية قيمة عقدت في فندق بارك رويال بلازا مساء الأربعاء، وضمت نخبة من أهم الوجوه العربية في بريطانيا على المستوى السياسي والحقوقي والأكاديمي والإعلامي.

وافتُتحت الجلسة بكلمة من المفكر والناشط السياسي التونسي الأستاذ جلال الورغي، عرّف عبرها الحضور بالضيف الدكتور المرزوقي "الغني عن التعريف حسب قوله"، ومدى المكانة الرفيعة التي يحظى بها عند معظم الشعوب العربية، كونه من الشخصيات الرائدة في مجال حقوق الإنسان، وزعيمًا سياسيًا خاض تجارب غنية بشأن الدفاع عن التغيير والديمقراطية في العالم العربي، وبوصفه من أهم أصدقاء ومناصري جميع ثورات الربيع العربي التي اندلعت في أوائل عام 2011.

 بدوره، استهل الدكتور المرزوقي كلمته الرئيسة بالقول إنه على الرغم من إضاعة الفرص الثمينة على مدار أربعة عشر عامًا وحالة العبث في هذه المرحلة المفصلية في تاريخ الشعوب العربية، فإن انتصار الثورة السورية وغزة، رغم التكاليف الباهظة، يبعث الأمل في نفوسنا من جديد، مضيفًا: "إن كنا قد خسرنا الكثير من الجولات، لكن معركة الحق ستنتصر في نهاية المطاف"، مبدياً تخوفه من المخاطر التي قد تهدد مستقبل سوريا ووحدة شعبها، في ظل تربص دول عديدة لم يرق لها مشهد سقوط نظام حكم ديكتاتوري دموي مستبد جثم على صدور السوريين لأكثر من نصف قرن، فضلًا عن الأطماع الخارجية للدول الكبرى على الصعيدين الدولي والإقليمي، مثل الولايات المتحدة واستخدامها لورقة الكرد "قسد"، وتمسك روسيا بقواعدها العسكرية "حميميم وطرطوس"، والرغبة الإسرائيلية في التوغل واحتلال المزيد من الأراضي السورية، وكذلك إيران التي لم تستسلم بعد لفكرة سقوط حليفها الاستراتيجي وفقدان نفوذها السياسي والاجتماعي والعسكري داخل سوريا، محذرًا من تكرار الأخطاء والمطبات التي وقعت فيهما الثورتان التونسية والمصرية، والتي ساهمت بطريقة أو بأخرى في نجاح الثورات المضادة وإجهاض التجربة الانتقالية نحو الدولة المدنية الديمقراطية.

 حيث صبّ المرزوقي خلال محاضرته جام تركيزه على مسألة الصراع بين الإسلام السياسي والتيارات العلمانية في الدول العربية، الأمر الذي أطلق عليه تسمية "الثنائية المدمرة - اللعينة"، التي أدت إلى استقطاب حاد بين الطبقة الحاكمة ذات النفس الإسلامي، والنخب والأحزاب السياسية والثقافية الاجتماعية المنضوية تحت لواء الحداثة والعلمانية، معتبرًا أن نجاح التجربة السورية يعد نصرًا هامًا لنموذج الربيع العربي، بينما ستشكل انتكاستها، في حال حصولها، ضربة موجعة لمشروع التغيير والتحول الديمقراطي العربي من جديد.

 ورأى المرزوقي أن حل مشكلة "الثنائية المدمرة" يكمن في تبني خطابات وسطية واستخدام مفردات ومفاهيم تنسجم أكثر مع الأنماط الثقافية السائدة في المجتمع، وتتماشى مع هويته العربية-الإسلامية، فمثلًا يمكن الاستعاضة عن مصطلح العلمانية بالدولة المدنية والحكم الرشيد، وأن تستبدل تيارات الإسلام السياسي بدورها الصبغة الأيديولوجية بصبغة سياسية تحل محلها، وأن تقبل بقواعد اللعبة الديمقراطية.

وبالتالي، فإن الانقسام - حسب رأيه - يجب أن يكون في المجتمع بين ديمقراطي - استبدادي، وليس إسلامي - علماني، بمعنى أنه لا غنى عن التوافق على تصورات ومبادئ الديمقراطية التي تقتضي الاعتراف بالتعددية الفكرية والسياسية والاختلافات المجتمعية، والتداول السلمي على السلطة، وإدارة هذه التعددية والقبول بها.

مقدمًا نصائح للقيادة السورية الجديدة بضرورة وحتمية التعاون مع باقي فئات وطوائف المجتمع على أنهم مكونات، وليس بصفتهم أقليات، رافضًا من منظوره ما يُطلق عليه عدالة انتقالية أو عدالة انتقامية، معتبرًا أن العدالة هي عدالة واحدة زمانًا ومكانًا، وبالتالي يجب محاسبة مجرمي الحرب والمتورطين في إراقة دماء السوريين أمام المحاكم والقضاء وفق القوانين المحلية، وبعيدًا عن حالات الثأر والانتقام.

وشهدت الندوة تفاعلًا حواريًا ونقاشات معمقة، أجاب عبرها الدكتور المرزوقي على جملة من الأسئلة والمداخلات حول مآلات ثورات الربيع العربي ومستقبل المنطقة والقضية الفلسطينية في ضوء التحديات والتغيرات التي تواجهها على الصعيدين الإقليمي والدولي.

هذا، وتشغل قظية الديمقراطية وملفات حقوق الإنسان، والدفاع عن المعتقلين السياسيين، ومكافحة الفقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية، حيزًا واسعًا في عمل ونشاط الدكتور المرزوقي في الحقل السياسي والأكاديمي والحقوقي.

 

 

السابق لندن تحتضن ندوة حول فلسطين بمشاركة شخصيات بارزة في 15 فبراير
التالي معرض "دندوشات" يفتتح أبوابه بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك