بعد حفل ناجح على مسرح باربيكان وليفربول... تانيا صالح لعرب لندن:

 ريم البنا بالنسبة لي قدوة دافعت عن القضية الفلسطينية من خلال فنها

من الضروري أن ينعم من يقدم أي نوع من الفنون بالحرية

نعيش في مجتمع ذكوري يحاول الرجل فيه احتكار التلحين والفن أيضا

مهم  جدا  أن نتعاون مع بعضنا البعض كعرب في الموسيقى

حاورها كريم إمام - لندن

  شاركت الفنانة اللبنانية المتميزة تانيا صالح مؤخرا في حفل بعنوان (أثر الفراشة) أقيم على مسرح باربيكان بالعاصمة البريطانية لندن ضمن مهرجان "شباك" للثقافة والفنون العربية وبالتعاون مع (مرسم) وذلك بمشاركة عدد من الفنانين الفلسطينيين والسوريين والتونسيين إحياء لذكرى الفنانة الفلسطينية الراحلة ريم البنا،كما شاركت في فعاليات مهرجان ليفيربول للثقافة العربية في مدينة ليفربول الساحلية.

تتميز تانيا صالح بأنها فنانة تعرف جيدا ما تريد،وتسعى لأن تكون بعيدة عما يسميه البعض بالموسيقى التجارية الاستهلاكية، تصنع موسيقاها وتخلق أغانيها من خلال تجاربها الحياتية، فهي مغنية وكاتبة وملحنة ورسامة.

 تانيا تعي جيدا متى وكيف تقدم ما بداخلها من مشاعر وأحاسيس بحرية تنساق مع معتقداتها ومفاهيمها بلا حسابات كثيرة عن السوق والصناعة وما يريده المنتج أو المموّل،فهي فنانة مستقلة بكل ما تعنيه الكلمة وانسانه من طراز فريد.

 (عرب لندن) التقت تانيا صالح بعد حفل الباربيكان فكان هذا الحوار:

 

عرب لندن: في البداية نود التعرف على شعورك بعد الحفل الناجح الذي أقيم هنا في لندن؟

  من الصعب غناء أغاني ليست لي، بالرغم من تقديمي أغنية لفيروز وسيد درويش وغيرهم من أساطير الفن في حفلات أخرى، لكن أن تكون كل الأغاني المقدمة لفنان آخر فهذا جديد بالنسبة لي، إلا أن هناك مسئولية علينا كفنانين خصوصا أنها أعمال لشخص تركنا ولم يعد معنا.

وكفنان تود أن تعرّف الناس على هذه الأعمال التي تحبها، ولكن في الوقت ذاته تخشى أن تتصرف في الأعمال بطريقة قد تزعجه أن كان لا يزال معنا، فهذه مسئولية كبيرة جدا وليست سهلة، لكني وافقت فورا على تقديم الحفل عندما تواصلت معي شركة (مرسم MARSAM) للفعاليات الفنية، لأن ريم البنا قدمت أعمالا لم تقدمها أي فنانة من قبلها، حيث استطاعت أن تتحدث عن القضية الفلسطينية وتنشر هذه القضية في العالم بطريقة مسالمة.

فلم تحمل ريم سلاحا ولم تقتل احدا وانما عملت على فنها وقالت ما تود قوله عن طريق الفن، وبالنسبة لي هي قدوة، خصوصا أنها تعذبت بحياتها كثيراً لأنها عاشت تحت الاحتلال وكان لديها ما تقوله للمحتل، ولأنه كان لديها مسئولية تربية أولادها بدون زوجها بعد ان انفصلا، ولأنها تعمل في الموسيقى بشكل مستقل بدون دعم وبدون وكيل أعمال، وهي كلها أمور نتشارك فيها أنا وهي. وبالنسبة لي كان لابد أن أشارك في هذا الجهد لإحياء ذكراها كفنانه وصديقه.

عرب لندن : قرأت فيما وزع قبيل الحفل ما تقولينه الآن وقد أضفت أنكما كنتما من المدافعات عن الحرية، ماذا يعني هذا؟

   بداية أنا لا أحب كلمة حرية، لأنه ليس هناك من شيء يدعى حرية "مطلقة"، فانظر إلى أميركا مثلا هل هناك حرية؟ يراقبون كل العالم والناس والكوكب كله. لكني كنت أشعر بأننا نحارب من أجل الحقوق الطبيعية التي من المفترض أن يتمتع بها كل انسان،وحرية التعبير عن مشاكلنا الحقيقية.

أنا مثلا لا أزال أطالب بلدي بأن يكون لي ولكل أفراد الشعب حقوق، حقوق للإنسان كإنسان أي الحقوق الأساسية وأبسطها: التعليم المناسب والتأمين الصحي وضمان الشيخوخة، فلماذا نهاجر ونعيش في بلدان أخرى، لأنه في تلك البلدان يعيش الشخص اجمالا مثل الحذاء (آسفة على الكلمة) في غرفة صغيرة، ولكن على الأقل هو يعلم أن لديه حقوق وأنه لو حدث له مكروه سيكون هناك من يهتم به وبكرامته كإنسان.

 لذلك فإننا نناضل من أجل هذا الشيء بأن تتوافر أبسط الحقوق وهي (البنا) كانت تناضل من أجل توفير هذه الحقوق البسيطة في بلدها فلسطين المحتلة التي شعرت بأن المحتل ليس من المفترض أن يكون فيها وان السلطة لا تقوم بواجباتها، فهي ليست في مكان طبيعي.

 حقوقها كإنسانة فلسطينية من المفترض أن تكون في بلدها لها كلمة هناك مشاكل من هذا النوع وهي ربما أكبر من أن نغيرها كأفراد، ولكن بإمكاننا أن نتحدث عن هذه المواضيع ونوصّل فكرتنا للعالم ولهؤلاء الذين يعيشون خارج هذه المنطقة،لأنه وللأسف ربما الذين يعيشون خارج المنطقة إن كانوا من العرب أو غيرهم يستطيعون ان يساندوا القضية أكثر من الذين يعيشون في الداخل.

عرب لندن : أكثر من ٢٥ عاما تقدمين فنونا بأشكال مختلفة، ولكنك تفضلين أن تظلي هاوية، لماذا؟

 أفضل أن أظل هاوية بمعنى أن أظل اكتشف الأمور كأني أقوم بها من البداية كل مرة، لأنه إذا فكر الانسان بأنه وصل أو أنه يقوم بشيء مهم سيتوقف لديه حب الاستطلاع والشغف بالشيء أثناء عمله، لأن الجميل في الموضوع هو هذا الشغف أثناء عملية الإبداع، فلا أفكر في المستقبل كيف سيكون ولا فيما قمت به في الماضي، ولكني أفكر في هذه اللحظة وإلى أي مدى أنا سعيدة بما أقوم به، وهذا الشغف يختفي إن أعتقد الشخص أنه يقوم بشيء مهم لذا لابد أن يظل يفكر بأنه يتسلى ويعمل على الفن بكل حب.

عرب لندن:  قلت إن الفن اليوم أصبح استهلاكيا وأن السائد الآن أن ما يبيع هو الجيد وما لا يبيع هو أقل جوده بشكل عام ..كيف يمكن تغيير ذلك؟ وما هي الأدوات التي يملكها الفنان كشخص التي من الممكن من خلالها تغيير شكل الصناعة؟

 

 ليس بإمكانك أن تغير النظام، لأنه بات أكبر بكثير من أن تغيره ليس في بلادنا فقط وإنما الكوكب كله أصبح يسير على ثقافة الاستهلاك، لأنهم استطاعوا السيطرة على الشعوب بعدة وسائل منها الإعلام، وطالما هؤلاء -الذين يملكون المال والمؤسسات الكبيرة- التي تعد أساس المشكلة، لا يناسبهم أبدا تغيير المعادلة، وأن تصبح الشعوب واعية وقادرة على الاختيار، وأن يكون الإعلام مهتما بتقديم الأمور التي تثقف الناس وتنير عقولهم، لأنهم بغير هذه الحالة لن يستطيعوا أن يسيطروا عليه.

وبالتالي فإننا لا نستطيع تغيير ذلك ولكن يمكننا أن نخلق شيئا مختلفا، بحيث أن من يريد هذا "المختلف" يجده، وليس أن يكون هذا المختلف أيضا غير متاح، فلا يمكنني القول بأني ضد من يقدم موسيقى استهلاكية، فالفنان حر فيما يقدم، لكني حرة أيضا بأن أكون موجودة.

 أن يقرر المتلقي ما يريد سماعه

المهم أن يقرر المتلقي ما يود سماعه، وأن يكون أمامه الخيار متاحا، فمن الضروري أن ينعم من يقدم أي نوع من الفنون بالحرية، وعندما أنظر إلى كل الفنانين الذين أعجبت بأعمالهم وفنونهم على مدى العصور أجد أنه لم يكن هناك من أحد يقف على رأسهم ويطالبهم بعمل كذا أو كذا، ولم يكن هناك شركة إنتاج تطالبهم بعمل أغنية اليوم وأغنية أخرى بعد شهر وإلا ستتخذ إجراءات ضده.

فهؤلاء الناس لا أشعر بأنهم يقدمون الفن بشكل طبيعي، وانما الطبيعي هو أن يخرج الفن من داخل الانسان بدون أن يطالبه أحد بما عليه فعله وانما هو من يقرر، وبالتالي لا يمكن ألا يكون مستقلا. لذلك فإن فكرة الموسيقى والسينما والمسرح وكل الفنون المستقلة ضرورية جدا لأنها هي الحقيقية، والباقي يقدم من أجل أسباب مختلفة وهناك الجيد فيها ولكني أرى أن الأصدق فيها هو المستقل.

عرب لندن :  هل هذا هو السبب وراء عدم وجود وكيل أعمال لك؟

 

  نعم، وأيضا لأني لم أجد من أثق به، فقد كان زوجي هو وكيل أعمالي عندما كنا متزوجين لفترة طويلة ولم أعد أثق بأحد بعد ذلك.

عرب لندن :  أنت كاتبة أغاني، مغنية، ملحنة ورسامة. كيف تجمعين بين هذه الأنواع المختلفة من الفنون وكيف تعكسين الرسالة المراد توصيلها. وكيف تختارين نوع الفن؟

 

 أحب أن أعمل أي شيء عندما أحسه، فإذا شعرت بأني أرغب في رسم هذا المنظر أرسمه، أو عندما أشعر بأني أود كتابة أغنية عن الوردة الحمراء مثلاً أكتبها بدون ان أفكر هل هي مفيدة للمجتمع أو كيف ستؤثر في الناس، فطالما شعرت برغبة في عمل هذا الشيء أقوم به وأقدمه، وبعد ذلك تعيش الفكرة التي أصبحت عملا فنيا له كيان وحياة خاصة به ولا أقرر أنا ما يحصل بعد ذلك. ولا أعرف من أين تأتي الأفكار (الإلهام) ولماذا أتت لي ولم تأت لغيري، هذا سؤال لا أستطيع الإجابة عليه، كما لا أستطيع أن أقول لماذا لدي شغف بأنواع عديدة من الفنون، فمنذ صغري كنت أحب كل تلك الأنواع وكان الفن يعني لي أكثر من غيري.

عرب لندن: هل ربما يعود ذلك للوالدين واشتغالهما بالصحافة والفنون؟

نعم ربما يكون ذلك صحيحا، لأن كليهما كانا مثقفين ومحبين للفن ولديهما أصدقاء فنانين،وبما أنهما كانا يعملان في الصحافة فقد كانت هناك الكتابة والنقد وأيضا فن الكاريكاتير،وكان دائما ما يريني والدي رسامي الكاريكاتير وأعمالهم ووالدتي المطربين والمطربات و الكتاب والملحنين، خاصة من مصر ولبنان، وأراني والدي منذ صغري فن الكاريكاتير ورسوماته وأفكاره، ومن هنا شعرت بأني أحب الرسم التعبيري وليس التشكيلي، وقد درست الفن لأنني شعرت بأنه لابد من معرفة تاريخ الفن وأين بدأ وإلى أين وصل، لذلك درست "فنون جميلة"، ليس لأكون فنانة تشكيلية وانما لأرسم المواضيع وأعبر من خلال الرسم عن أفكاري، واليوم أنا أفضل رسومات الشوارع لأنها أقرب للفن التعبيري من التشكيلي. أفضل النوع الأول لأنه أوضح وأذكى وأكثر عمقا ولديه فكرة، وذلك عندي أفضل كثيرا من لوحة جميلة بألوان زاهية بلا هدف واضح.

عرب لندن : قلت بأن هناك نقصا في الملحنات في منطقتنا، لماذا؟

في كل العالم كله هناك نقص، ولكن في منطقتنا أكثر وهو يعود في رأيي إلى نظرة شعوبنا للفن عموماً وللموسيقى والتلحين ورفضهم لذلك حتى لو كان الملحن رجلا لأن الفن لا (يطعمي) خبزاً، كما أن المجتمع لا يشجع، فالفنان لدينا كأنه يعمل في (كباريه) وهناك وصمة عار مرتبطة بفكرة الفن.

وفي لبنان نقول هذا (آرتيست) وهو شيء ليس بالجيد أو سمعته سيئة وكأنك تعمل بالبار (في هذا المستوى) فالمجتمع إجمالا لا يحترم فكرة المغني فما بالك بكتابة الموسيقى والتلحين. سمعت في مصر ناس في الشارع يقولون لي عندما كنت ارسم جداريه لتكريم سيد درويش: "لماذا ترسمين هذا الحشاش؟" هل يعقل هذا الكلام؟

 

عرب لندن: لكن نرى مغنيات وكاتبات أغاني ولكن ليس ملحنات.. لماذا؟

 

 لأننا نعيش في مجتمع ذكوري يفضّل أن يكون الرجل مسيطرا على هذا المجال ولا يسمح للنساء بالاقتراب، وأنا حتى اليوم أعاني من مشاكل بسبب ذلك، والرجال الذين يشتغلون في الموسيقى بالإجمال لا يرغبون بوجود امرأة في مجال التأليف والتلحين،لأنه بنظرهم هذه الأعمال رجولية وليست نسائية بل تقلل من أنوثة المرأة في نظرهم.

وبالتالي فأنا سأظل أبرهن لهم أني أنثى موجودة وأرغب في أن أقول ما أود أن أقول، ولا أنتظر رضا الأب أو الأخ أو الزوج، ولماذا كمغنية أنتظر أن يلحن لي الرجل؟ لا سألحن لنفسي، انا أريد أن أخوض تجربتي، لماذا تقفون في وجهي؟ أليس ذلك من حقي؟ كما هو الحال في الغرب الذي يزخر بالعديد من الملحنات النساء اللوات حاربن أيضا" طويلا" لإثبات وجودهن.

 

عرب لندن: دعينا نتحدث عن التعاون مع الفنانين الآخرين. قدمت أعمالا قديمة لفيروز وسيد درويش وغيرهم. غنيت باللهجة المصرية وقدمت أعمالا مع فنانين من مصر. كيف تنظرين للتعاون مع فنانين آخرين؟ وكيف تختارين شكل التعاون؟

 مهم كثيرا أن نتعاون مع بعضنا البعض كعرب في الموسيقى، لأننا أولا نتحدث لغة واحدة، وثانيا نفيد بعضنا كثيرا حيث أن ثقافتنا مشتركة في العديد من الأماكن. وأنا أحب المصريين والموسيقى والفن المصري وشعرهم وفنونهم جميعها من سينما وتمثيل وشعر ونثر ورواية ومسرح، فتاريخ الفن بدأ في مصر، وإن أردنا الدراسة بشكل صحيح سنجد أن البدايات كانت دائما في مصر، ولديهم تاريخ قديم في الفن، فالفن بالنسبة للمصريين أمر يومي وليس بجديد، إلا أن العديد من البلدان العربية الأخرى الفن لديهم شيء جديد دخيل بدأ مؤخرا. وبالتالي فالنظرة إلى الفن مختلفة جدا، وعندما أزور مصر على سبيل المثال ينادوني فيقولون يا (فنانة) أي أنه يشعر بما أقوم به ويفهم هذا جيدا. أنا أحب مصر من كل قلبي وبالتالي كان من الضروري التعاون مع فنانين من هناك.

ودائما ما أنتقي أولئك الذين أشعر بموسيقاهم تهزني والمثال على ذلك حازم شاهين، والعديد ممن أود أن أعمل معهم، إضافة إلى أهمية الكيمياء التي تكون بين الأشخاص. هناك أناس قد تحب أعمالهم وهم يحبون ما تقدم لكن لا تستطيع العمل معهم لافتقاد هذا التناغم، فيكون هناك مشكلة مع الأنا، أو تضارب مصالح معينه. لكن هناك آخرين تجد التناغم يحصل طبيعياً وبالتالي تفتح الأبواب للتعاون. هناك أمل كبير أيضاً في تونس والمغرب وسوريا والعراق وإيران.

عرب لندن: اللهجة اللبنانية باتت اليوم معروفة في البلدان العربية. لكن هل تعتقدين بأنك في حاجة للغناء بلهجات أخرى كوسيط للوصول إلى أعداد أكبر من الجمهور؟

- لا.. مصري معقول لأني تربيت عليه وقريب لي وأكون صادقة نوعاً ما إذا غنيت باللهجة المصرية، لكن بالطبع أفضل دائما أن أغني باللهجة اللبنانية لأن هذا هو الأصدق والأكثر تعبيرا عما أود توصيله، فمثلا لا أستطيع أن أقول نكتة بالمصري ستكون (بايخة)،و أن أتحدث عن مواضيع حساسة وعميقة بالمصري، لن أجد التعبيرات المضبوطة، إذا كتب لي أحدهم شعرا بالمصري يجوز، لكن أن أكتب أنا بالمصري أظن صعب. وبالتالي فلن يكون نفس الإحساس.

وعلى فكره كتبت أغنية بالمصري ستصدر ضمن الألبوم القادم لكن لا يمكن أن أقوم بذلك بشكل مستمر، وقد كتبتها بالمصري لأن قصة الأغنية هي أني كنت أتمرن مع موسيقيين في مصر وحدث شيء ما معي، فقد كانت بناء على قصة حقيقيه.

عرب لندن: غنيت  في حفل (أثر الفراشة) على مسرح باربيكان أغنية غير معروفة لريم البنا (عنّا حمار).. لماذا اخترت تلك الأغنية؟

 

 أولا أنا سعيدة جدا بأن ريم قدمت ألبوما للأطفال. وعندما كنت أسمع أغاني الألبوم، قلت لنفسي لابد أنها قدمت هذه الأغنية لسبب ما، فليس من المعقول أن تكون هذه الأغنية بريئة.

 فمن هذا الحمار الذي هو لدينا؟ ومن الذكاء كتابة أغنية للأولاد وراءها معاني كثيرة، لأن الطفل يفهمها بشكل والبالغ يفهمها بشكل آخر، فالطفل سيتلقاها بأن المقصود هو الحمار،أما المراهق فقد يرى في الحمار الحبيب أو الحبيبة، في حين قد يراها الناضج بأنه أحد السياسيين، فهناك عدة طبقات ومعاني مخفية، وبالتالي فالأغنية بالنسبة لي ذكية جدا و(مهضومة) ومبنيه على قصة، وأنا أحب الأغاني التي بها قصص، وريم لديها العديد من هذه الأغاني التي بها قصص.

عرب لندن: ما جديدك، وما المشاريع المستقبلية التي من الممكن أن تشاركينها مع القارئ؟

 

أعمل حاليا على ألبوم جديد ألّفت الكلام والألحان ("ضاحكة"...نكاية بالجميع) حيث وددت أن أبرهن لنفسي أني من الممكن أن أقوم بالألبوم كله بنفسي بدون مساعدة من أحد حيث جرت العادة أن أكتب وألحن حوالي ستة أغان وأتعاون مع آخرين في ثلاثة أو أربعة، لكن هذه المرة فإني وحدي من سيقوم بتنفيذ الألبوم بالكامل.

عرب لندن: إلى أي مدى سهلت أو صعبت التكنولوجيا من انتاج الألبومات، وكيف تحولت الصناعة في عصر الساوند كلاود والسبوتيفاي (وسائط الاستماع للموسيقى والأغاني)؟

 سهلت على الناس سماع الأغاني بشكل أكبر،وصعبت على الفنان الربح المادي، فقد كان في الماضي الألبوم يكلفك دولارين ثلاثة وتبيعه بعشرة دولارات إذا بعت ألفين نسخة عال.

 لكن الآن عليك أن تصل إلى -على الأقل- ثلاثة ملايين استماع على السبوتيفاي أو يوتيوب لكي تكسب ألف دولار في السنة! لا شك أن الأعمال تسمع وتنتشر بشكل أكبر من خلال تلك الوسائط، ولكن لم يعد هناك سي دي أو عمل واحد محدد موجود بمكتبتك أو غرفتك تستمع إليه بشكل منفرد وبتركيز، ومكتوب عليها سنة الإنتاج والأفكار والأناس الذين عملوا خلف الكواليس ليخرجوا هذا العمل، أصبحت العملية ضائعة. ومع ذلك أنا نفسي اليوم ألجأ لهذه الوسائط لأنها باتت أسهل.

عرب لندن: وكيف تنظرين لمستقبلكم كفنانين ومنتجين للأعمال الفنية؟

 

 لابد أن تتغير معادلات العملية، فأنا اليوم أفكر أنه يبغي عليّ أن أقوم بما هو أكثر من الغناء فقط، على سبيل المثال أن أدخل في الصورة بشكل أكبر أن أعمل في السينما والتمثيل والتعبير المرئي والمسرحي، وكتابة نصوص أفلام يتخللها أغاني، فعلى الفنان أن يرى أين وكيف يمكنه أن يأخذ الأغنية، وهو كفنان الذي لابد أن يجد حلولا.

وربما يكون الحل في العودة إلى الألبوم (الأسطوانة الكبيرة) لكن هذا مكلف جدا وليس كل الناس لديهم مشغل الأسطوانات،ولكني أشعر أن الموسيقى ستتجه صوب الصورة والصوت بشكل أكبر، الفيديو أو الفيلم أو المسرح، وسيكون للأغنية علاقة أكبر بالأداء الحي والفرجة بحيث يحضر الناس إلى المسرح ويدفعون للدخول والمشاهدة، وربما يكون الرقم المدفوع أكبر في هذه الحالة، لأنه لن يكون هناك طرقا عديدة للحصول على العائد المادي من خلال حفلة أو حفلتين في العام، وهذا في النهاية يأخذنا إلى شيء جيد جدا وهو التركيز على الأداء الحي وتواجد الموسيقيين على خشبة المسرح لتقديم عروض أمام الجمهور مباشرة، عوضا عن الدخول إلى الاستوديو ودفع مبالغ طائلة لتسجيل الأغنيات،وحتى على المستوى الفني فإن التسجيل مباشرة من على المسرح أهم فنيا وأكثر توفيرا.

لذلك هناك العديد من الفنانين العالميين الذين تكتلوا لعمل مشاريع جديدة ومبتكرة لتعود إليهم العوائد المادية مباشرة، بدلا من وجود وسائط ووكلاء، وبالتالي بات على الفنانين أن يجدوا الحلول بأنفسهم.

السابق تانيا صالح لعرب لندن:نعيش في مجتمع ذكوري يحاول الرجل فيه احتكار التلحين والفن
التالي تانيا صالح لعرب لندن:نعيش في مجتمع ذكوري يحاول الرجل فيه احتكار التلحين والفن