عرب لندن
لم تمر التغييرات التي همت موضوع القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، في كتب موجهة لتلاميذ في الصف الثانوي البريطاني، دون تداعيات، إذ خلفت معركة شرسة بين أكاديميين وناشطين فلسطينيين وبين اللوبي المساند لإسرائيل.
ونقل أيوب الريمي، في مقال له بعنوان "غضب أكاديمي في بريطانيا.. تعديل منهاج التاريخ لطلبة الثانوية البريطانية تماشيا مع الرواية الإسرائيلية"، نشره موقع "الجزيرة.نت"، عن عدد من الأساتذة قولهم إن الكتب صارت تضم معلومات مزورة ولا صلة لها بالتاريخ ولا يمكن تقديمها للتلاميذ في المدارس البريطانية.
وقررت دار النشر "بيرسون" (Pearson)، حسب الكاتب، التوقيف المؤقت لكتابين دراسيين تستخدمهما المدارس الثانوية في المملكة المتحدة، بعد أن خلص عدد من الأكاديميين في تقرير لهم إلى أن المعلومات الموجودة في الكتابين هي معطيات مشوهة، مؤكدين فشل الكتابين معا في تقديم وجهة نظر متوازنة للقضية الفلسطينية.
وكشف التقرير أن التعديلات تم إدخالها على الكتابين، بعنوان "الصراع في الشرق الأوسط" و"الشرق الأوسط: الصراع والأزمة والتغيير"، وهما من تأليف الكاتبة هيلاري براش، ويتم تقديمهما للتلاميذ في المرحلة الثانوية، بعد تدخل وضغط من منظمة "محامون بريطانيون من أجل إسرائيل"، وقد طالت هذه التعديلات النصوص والجداول الزمنية والخرائط والصور الفوتوغرافية، وخلصت نفس الوثيقة إلى أنه "لا يجب تزويد التلاميذ بالدعاية المستترة بدثار العلم".
وفي السياق، وصفت الأكاديمية الفلسطينية البريطانية، غادة الكرمي، ما يحدث حول هذين الكتابين بأنه "معركة شرسة" بين أكاديميين ومثقفين يناصرون القضية الفلسطينية وينتصرون للرواية الصحيحة للتاريخ وبين اللوبي الإسرائيلي، مؤكدة أن المعركة لم تنته بعد، مشيرة إلى أنها وعدد آخر من الأساتذة الجامعيين يقومون حاليا بالتواصل مع دار النشر والنقابات؛ وذلك لمنع وصول هذه الكتب للتلاميذ بعد أن طالها التغيير والتحريف، وقالت لقد "أخبرنا الناشر أننا نفهم أن ما حدث هو نتيجة لضغط اللوبي الإسرائيلي، لكن أكدنا على أن هذا الكتاب لا يجب أن يصل للتلاميذ".
المقال نفسه يوضح بأنه، ومن خلال التواصل بين الناشر والأكاديميين الفلسطينيين والبريطانيين، اعترف الناشر بلقائه مع منظمة "محامون بريطانيون من أجل إسرائيل" وبأنه أخذ رأي طرف محايد وهو الذي أجرى هذه التعديلات"، وهي المبررات التي لم تقنع الدكتورة غادة الكرمي ولا رفاقها، إذ حذرت من خطورة وصول الكتابين لأيدي التلاميذ؛ "لأنه منحاز للرواية الإسرائيلية ويقدم معلومات خاطئة"، مقدمة أمثلة على هذا التحيز؛ حيث "تم حذف كل الكلمات التي تتحدث عن الكفاح ضد الانتداب البريطاني وضد العصابات الصهيونية وحذف كلمات مثل الفدائي والمقاوم وتعويضها بكلمات من قبيل الإرهاب والعمليات الإرهابية، كما أن المجازر المعروفة التي ارتكبها الاحتلال لم يعد اسمها مجازر بل مجرد عمليات أو أعمال قتالية".
من جانبه، يضع محمد أمين، وهو رئيس منتدى التفكير العربي في لندن، ما يحدث في سياق صراع الروايات، أي أن اللوبي الصهيوني يعمل على طمس الرواية التاريخية الحقيقية وتقديم روايته للأحداث، مؤكدا أن المنتدى الذي يشرف عليه يرصد عمل اللوبي الصهيوني "على كافة المستويات لتغيير الرواية للصراع والظهور كضحية، وأنا لست متفاجئا من أن تصل أذرعه للتعليم في بريطانيا والتي نعلم أن كتب التاريخ فيها يتم إقرارها عبر اختيار ناشرين أكفاء، وغير مستبعد أن يكون الناشر الذي اعتمدت كتبه قد خضع لضغوط من أجل إجراء تعديلات على تلك الكتب"، مؤكدا فرضية تعرض الناشر لضغوط من هذا اللوبي، بما نشرته صحيفة "الإندبندنت" (Independent) البريطانية التي كشفت أنه "تحت الضغط أجرى ناشر كتب تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تعديلا في منهاج التاريخ لطلبة الثانوية في بريطانيا وأدخل تحسينات لتفضيل الرواية الإسرائيلية على الرواية الفلسطينية".
وقدم الباحث، في مقال موقع "الجزيرة.نت"، مثالا على هذا الإنكار والتزييف، وهو ما تمارسه الدبلوماسية الإسرائيلية في بريطانيا بخصوص عنصرية إسرائيل في منعها لقاحات كورونا عن الفلسطينيين، حيث زيفت السفيرة الإسرائيلية -التي ظهرت ضيفة في البرنامج الشهير "نيوز نايت" (Newsnight) على قناة "بي بي سي2" (BBC2)- الرواية الموثّقة بمنع إسرائيل اللقاحات عن الشعب الفلسطيني، لتدعي أن إسرائيل لا تميز في إعطاء اللقاح بين الفلسطينيين والإسرائيليين، محمّلة الفلسطينيين أنفسهم مسؤولية عدم تحصلهم على اللقاح.
من جهته، ذهب زياد العالول، المتحدث باسم المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، أبعد، وهو يقول بأن الاحتلال لا يدّخر أي جهد لتلميع صفحته في الغرب؛ "لمسح جرائمه في الأرض المحتلة، وليس هذا فحسب، بل تزييف الحقائق والتاريخ، في محاولة لتثبيت شرعية منقوصة رغم مرور أكثر من 70 عاما على تأسيس دولة الاحتلال"، موضحا، في حديثه مع موقع "الجزيرة.نت"، أن "إسرائيل لا تستطيع أن تلغي أنها دولة محتلة وأنها تركب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني وأنها لا تلتزم بالقانون الدولي وأنها دولة عنصرية".