محمد أمين

ليس صحيحا أن كورونا هو من حرم المغتربين من العودة إلى أوطانهم، أعرف مئات المغتربين الذين كانوا قبل كورونا على قوائم الممنوعين من زيارة بلدانهم، أو المطلوبين على قوائم الانتظار، ليس بطبيعة الحال لأنهم مصابون بكورونا، بل لأن في بلدانهم نظم استبدادية تحكم، وتسرق، وتعتقل، وتفتك كما لم ولن يفعلها كورونا المستجد.

لم يهجر أولئك بلدانهم جراء كورونا الذي لم يمر على انتشاره سوى شهور، فهناك وباء متفش منذ خمسينات القرن الماضي، هو وباء الزمر العسكرية الانقلابية الاستئصالية، والتي جرفت ما تبقى من بلدان غادرها المستعمر، لتعيث تلك الزمر التي تركها المستعمر خلفه فسادا وإفسادا، من تجريف للوعي، وسلب للإرادة والحرية، وتأجير البلدان للمستعمر، والجباية من جيوب الشعوب لصالحه وصالحهم، وتركيز المال العام في جيوب فئة قليلة من الحكام وأبنائهم، وأنسبائهم، وزمرة من رجال الأعمال العاملين تحت إمرتهم، ورجال دين منافقين باعوا الشرف قبل متاجرتهم بالدين.

رحلت من فلسطين، جراء الاحتلال، لكن كثير من عرب المهجر الذين يتزايدون رحلوا هم الآخرون لكن هربا من بلدان يحتلهم فيها زمرة من أبناء جلدتهم، حولوا الأوطان إلى مزارع خاصة، يجلد فيها الأمين، ويبجل الخائن، دول صار القتل والسجن والتعذيب فيها كاحتساء فنجان قهوة في صباح بائس من صباحات أولئك المستبدين، نظم تحتقر التعليم، وتعلي من شأن الشعوذة، دول تمجد العسكري، وتحتقر الأستاذ الجامعي، دول يديرها أمنيون، ويضطر أصحاب الشهادات إلى التوسط والتودد إليهم، في مشهد سريالي ممعن في الحسرة.

هنا لندن، هنا عاصمة العرب الهاربين بحرا في قوارب الموت، أو الناجين حظا من حروب الطامعين في الحكم، أو المتسللين ليلا للنجاة من المعتقل، أو الباحثين عن فرصة بعد أن صارت فرص العمل في العالم العربي حكرا على المتاجرين بالوطنية والدين.

هنا الأطباء العرب الذين يملأون مستشفيات أوروبا، بعد أن طردتم أنظمة الجلد، والجهل، والفساد، ليبرزوا في فضاءات العلوم في أوروبا " الكافرة"، فهل هي كافرة حقا؟ وما هو الدين الذي تعتنقه تلك النظم؟ فإذا كان الإسلام، فإن ذلك الدين يدعو للعدل، وهذا ما تطبقه "دول الكفر"، وإذا كان الحفاظ على كرامة الإنسان من صلب الأديان كلها فهي الموجودة في الغرب "الكافر"، فيما تهدر كرامة بل وحياة المسلم والعربي في بلدان "تلك النظم".

فبينما تَفتح مستشفيات وجامعات "دول الكفر" أبوابها للأطباء العرب، تفتح لهم تلك النظم سجونها، وبينما يقوم "بوريس جونسون" بفتح "بيت مال البريطانيين" لإعانة الفاقدين لوظائفهم دون تمييز بين مسلم وغير مسلم، بين متدين وغير مقر بأي دين، وتقديم الدعم للمعوزين، تقوم "تلك النظم التي تقول إنها تعتنق "الدين" وتنطق العربية بشفط "بيت مال المسلمين"، وطرد الموظفين من وظائفهم، وترحيل "الوافدين" كأنهم صناديق وليسوا بشرا في أعناقهم أطفال وأسر، فمن هو الصالح ومن الفاسد، ومن المسلم ومن الكافر؟

كيف يمكن لمن قتل أو هجر أو عذب في حرب بشعة في سوريا أو اليمن أو العراق أو ليبيا أو الصومال أو السودان أو غيرها من بلدان وطننا المذبوح من المحيط إلى الخليج، أو مات في سجون طغاة آخرين، أو سحل، أو اعتقل، أو أخذت عائلته رهينة أن يقتنع يوما بأن بلاد العرب أوطاني؟ كيف لي كفلسطيني أن أرى اليهودي والبريطاني يتظاهر بجانبي ضد إسرائيل وعنصريتها واحتلالها بينما أسمع شتيمتي من عرب في وطني العربي الكبير، يقولون لا شيء اسمه فلسطين وأن الحق كل الحق مع إسرائيل!! فمن المسلم ومن الكافر؟

لا أتحدث هنا عن الأوطان والشعوب، ولكن عن أنظمة وعصابات تحكم، كيف لمن طرد أو رحل من بلد شقيق بعد عشرين أو ثلاثين سنة قضاها فيه، دون أدنى مراعاة لوضعه، أن يقنع أولاده بعدم الهجرة، والبقاء في عالم عربي تفني ثمرة فيه عمرك وتبقى وافد أو مواطنا من الدرجة الثالثة أو مشكوك في انتمائك إذا كنت صاحب رأي، بينما تقضي أقل من 5 سنوات فتتحول لمواطن أوروبي أو أمريكي بكامل الحقوق والامتيازات!! فما هو الدين الذي تعتنقه تلك النظم هل يشبه الإسلام؟ بل هو دين؟!

هل سيعود عرب المهجر، لا يبدو المشهد كذلك، هل كورونا المتفشية في أوروبا أرحم أم العودة إلى نظم الموت العربي؟ جازما أعتقد أن كورونا المستجد أرحم، وأنه رغم تفشيه سينتهي ويرحل، لكن وباء الاستبداد المستشري في عالمنا العربي "باق ويتمدد".

السابق لأطبائنا العرب في بريطانيا تُرفَع القبعة
التالي كورونا.. نحتاج علماء لا مشعوذين