محمد أمين

رئيس التحرير

انشغل البريطانيون على مدار الأسابيع الماضية بالنهاية التراجيدية لقصة الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل،إذ اختار الأمير أخيرا الرحيل عن قصر والده وجدته، ليسكن قلب زوجته، ويضم إليه طفلهما آرتشي حديث الولادة.

 قصة إنسانية لأمير شاب فقد والدته مبكرا في حادث سير،لايريد كما يقول أن يتكرر ذات الأمر مع عائلته،إذ مازال الأمير يعتقد بأن سبب وفاة والدته الأميرة ديانا كان جراء محاولتها الهروب من مطاردة الإعلام وعدسات الكاميرات،ليعبر بصراحة ووضوح عن قلقه على أسرته من ذات الأمر، ورغبته في حمايتهم بإبعادهم عن الأضواء.

 أيا كانت مبررات الأمير الشاب، فإن ما يستوقفنا في قصته يكمن في الشق الذي عقب تنحيه، وتنازله عن صفاته ومهامه الملكية،ذلك النقاش الصحي والمشروع الذي اجتاح الرأي العام البريطاني عن ضرورة توقف دافعي الضرائب عن تمويل الأمير،وأن عليه تدبر أمره بنفسه والبحث عن فرصة عمل، فذلك الراتب الذي كان مخصصا له كان يتلقاه مقابل قيامه بمسؤوليات عامة ورسمية، كان يتقاضى راتبه من من دافعي الضرائب، والطبيعي أن يتوقف، ليكون السؤال مشروعا:هل يمكن أن يحدث هذا في عالمنا العربي؟ حيث الحاكم يملك الأرض والانسان، ويتحكم في ثروات البلاد والعباد دون رقيب ولا حسيب، ويتم تقديم ما ينفقه على الشعب في صورة منحة وليس حقا مشروعا لهم، فيما الأصل أنه موظف عندهم لخدمتهم وليسوا هم من يعملون لديه أو له. كما أن السؤال عن الميزانيات أو عن رواتب الحكام لدينا هو أمر محظور ويعد انتهاكا للأمن القومي!!.

 بكبسة زر واحدة تستطيع أن تعرف راتب الملكة إليزابيث ومخصصاتها،وراتب رئيس وزرائها، وكذلك أي أمير أو وزير، فيما لاتستطيع مجرد السؤال عن مدخرات وأملاك حكامنا العرب،لذلك لن يكون غريبا أن تعرف أن حجم الأموال العربية المنهوبة والمخفية في البنوك السويسرية بلغ نحو 200 مليار دولار، وفقا لتقديرات الغرفة العربية السويسرية للتجارة والصناعة في جنيف.


وتعد سويسرا أهم ملاذ آمن للأموال المنهوبة من الشعوب وثروات الحكام، حيث كانت تستخدم السرية المصرفية حتى قبل سنوات، ما جعل بنوكها أهم الملاذات لإخفاء الأموال.

وترى منظمة الشفافية أن قسما كبيرا من هذه الأموال يعود إلى حكام ورجال أعمال فاسدين حصلوا على ثرواتهم بطرق غير مشروعة.

 سيدفع الأمير هاري وزوجته إيجارا مقابل الإقامة في منزل فروغمور كوتاج الملكي، كما سيكون عليهما تسديد ماقيمته 2.4 مليون جنيه إسترليني من أموال دافعي الضرائب التي تم إنفاقها على تجديد المنزل، كما سيكون مطلوبا منهما تأمين لقمة عيشهما، فهل يمكن أن يحصل هذا في دولة عربية؟

 على كثير من الدول العربية التي تقول أنها تستورد القيم والحضارة الغربية ألا تستثني منتج " الشفافية" من قائمة المستوردات، لماذا يستوردون كل شيء أمريكي و بريطاني أو غربي إلا الشفافية والديمقراطية؟

ينبغي أن نناضل ونطالب ونستمر في العمل على الإفادة من تجارب الغرب في ذلك،وأن نحلم بوطن عربي تسوده العدالة والنزاهة والمساواة، وتحكمه الديمقراطية ،فلا منجاة لنا في تلك البقعة من العالم دون هذه الرباعية.

 

السابق فلسطينيو بريطانيا .. وسبل مواجهة صفقة القرن
التالي جيرمي كوربن ... نهاية رجل شجاع