بقلم: محمد عايش

 

تنعقد المؤتمرات السنوية للأحزاب الكبرى في بريطانيا وسط حالة من الاستنفار في أوساط جماعات الضغط المختلفة، سواء السياسية أو المهنية أو الخدماتية أو غيرها، وذلك من أجل التأثير في الحياة السياسية بالبلاد عبر هذه النوافذ والبوابات التي تتيح للجميع على السواء المشاركة، لكن المؤسف أن العرب لا زالوا غائبين، أو لنقل شبه غائبين عن كل هذا.

تأثير الجالية العربية في الحياة السياسية ببريطانيا لا زالت أقل بكثير من الحجم الحقيقي لهم، ومشاركتهم لا تزال بالغة التواضع، إذ تسير في شوارع لندن ومانشستر وليفربول وغيرها فتكاد لا تجد شارعاً يخلو من العرب، بينما ينعقد المؤتمر السنوي لحزب العمال أو حزب المحافظين فتكاد لا تجد عربياً بين الآلاف المحتشدين لرسم مستقبل بريطانيا عبر المشاركة في ترسيم سياسات الحزب وخطوطه العريضة.

انعقد المؤتمر السنوي لحزب العمال في مدينة برايتون جنوبي انجلترا مؤخراً، فكان المكان يضج بخطابات لزعيم الحزب جيرمي كوربن، والأمينة العامة جيني فومبي، وغيرهما من قادة الحزب، واللافت في هذه الشخصيات أنهم من أكثر المتحمسين لقضايانا العربية، ومن أشهر المتضامنين مع فلسطين في بريطانيا بل في أوروبا بأكملها، هذا فضلاً عن أن كوربين لمع نجمه أصلاً عندما نشط في تحالف "أوقفوا الحرب" الذي ظهر في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003. 

لم يمر على حزب العمال منذ تأسيسه في العام 1900، أي منذ 120 سنة، قيادة أقرب للعرب وقضاياهم من هذه الحالية، ولم نشهد في الحزب ولا في النخبة السياسية ببريطانيا منذ عقود طويلة من يتفهم قضايانا العربية ويتعاطف معنا بقدر ما يفعل هؤلاء، ومع ذلك فلا يزال البريطانيون العرب غائبين عن دعم هذه القيادة، وغائبين عن التحرك بشكل مكثف ومنظم من أجلها.

مشكلة البريطانيين العرب أن أغلبهم يعاني من عقدة القمع التي كانت في بلده التي تركها، وبالتالي لا يزال ينظر الى الأحزاب بعين الأنظمة العربية القمعية التي تتعامل معها على أنها جريمة، وينظر الى العمل السياسي على أنه سلوك مشين ومعيب، وهذا ربما يكون واقع الحال في دول القمع العربية، لكنه بكل تأكيد ليس موجوداً في بريطانيا ولا في أية دولة ديمقراطية متحضرة. 

تشير التقديرات الى وجود نحو مليون عربي في بريطانيا، وهي بطبيعة الحال مجرد تقديرات إذ لا يوجد احصاءات رسمية بهذا الصدد، لكن المؤكد وبغض النظر عن الأعداد والأرقام هو أنَّ مشاركة العرب في الحياة السياسية محدودة، ووزنهم وتأثيرهم في السياسة لا يتناسب مع حجم وجودهم في المجتمع، وهذا يرجع الى عدة أسباب بطبيعة الحال أهمها أنهم مشتتون اجتماعياً وسياسياً، ولا يجتمعون على قضية أو همّ أو أزمة، وهذا بسبب الحجم الكبير من المآسي في عالمنا العربي، فتجد في عطلة نهاية الأسبوع ذاتها ثلاث أو أربع تظاهرات عربية، وبعضها في نفس المكان، لكن كل منها يحتج على مأساة تختلف عن الأخرى!

ثمة سبب آخر وراء ضعف التأثير العربي في السياسة البريطانية، وهو أن السفارات العربية في لندن تحارب أبناء جالياتها بدلاً من تقديم الدعم لهم، وهذا ما كشفه لي ناشط عربي مهم في حزب العمال عمل سابقاً مع رئيس حكومة سابق، وهو سلوك غير مفهوم من هذه السفارات، إذ تكشف بعض التسريبات أنهم يدعمون لوبيات وجماعات ضغط معادية للعرب في أمريكا وأوروبا بينما يحاربون أي عربي يمكن أن يصبح ذو تأثير سياسي..!! إنها مفارقة عجيبة.

والخلاصة، هو أن البريطانيين العرب يحتاجون الى توحيد صفوفهم والانخراط أكثر في العمل السياسي من أجل الوصول الى التأثير الايجابي في المجتمع والحياة السياسية، وفي المقابل فان القيادة الحالية لحزب العمال ومعها الكثير من أبناء النخبة السياسية المتعاطفة مع العرب والمؤيدة لقضاياهم تحتاج للدعم على كل المستويات من أجل أن تظل قادرة على الصمود والبقاء.

 

السابق  العرب وانتخابات ديسمبر الحاسمة
التالي لندن عاصمة الوحدة العربية المتخيلة!!